بازگشت

معاوية: خلاصة لجاهليات الأرض


و هل نتناول قضايانا الاسلامية الكبيرة و تاريخنا الاسلامي و منها قضية الامام الحسين عليه السلام بمواجهة الدولة الأموية اليزيدية و قبلها قضية أميرالمؤمنين عليه السلام و معاوية، بالروح اللامبالية التي تناولها بعض المستشرقين المعادين للاسلام و أتباعهم و تلامذتهم و المتأثرون بهم، فنروح نناقش المسألة كحدث يقع بين قائدين من قواد الفرس أو الروم أو الترك أو الديلم، ممن لم يسلموا و لم يعرفوا الاسلام، و ان المسألة كلها لم تكن سوي منافسة علي كرسي الحكم، الذي استطاع و مهارته أحدهما الحصول عليه ببراعته و حيلته.. و فشل الآخر في الحصول عليه، لأنه لم يكن يمتلك ذلك القدر من البراعة و المهارة والحيلة التي امتلكها صاحبه، و أن الجميع ينبغي أن يتقبلوا النتيجة بروح رياضية و ان كانوا يقفون في صف (المغلوب)؟.

أم أننا ينبغي أن نناقش المسألة برمتها من وجهة نظر اسلامية بحتة لنجد في النهاية: أن الامام علي عليه السلام و خطه الذي حاول أن يحفظ التجربة من الانحراف أو الضياع لم يستبعد و لم يحارب من قبل القوة الأموية والأحزاب المناوئة الأخري، الا لأن هذه الأحزاب أرادت أن يستبعد الاسلام نفسه عن حياة الأمة.. فقد كان عليه السلام الممثل الوحيد للأمة و مصالحها.

و اذ أن الاسلام قد صور علي أنه غير ممكن التطبيق فعليا بكل تشريعاته و قيمه (المثالية) أي غير القابلة للتنفيذ لأعلي المستوي النظري، فان أمير


المؤمنين عليه السلام نفسه قدر صور علي أنه انسان (مثالي) أي غير عملي و غير واقعي و ان كان ما ينادي به كان غير ممكن التطبيق.

و كان شن الحرب عليه و علي أولاده فيما بعد يعني محاولة استئصال الاسلام من الأساس من المجتمع الاسلامي و جعله مجتمعا سطحيا مقطوعا متشرذما، لا يملك رؤية اسلامية واضحة أو تصورا قائما علي أساس الاسلام وحده، مجتمعا مؤلفا من طبقة الهمج الرعاع التي تهتم بهمومها اليومية البسيطة و حسب و لا تمتد اهتماماتها لكل مشاكل الأمة و معاناتها، و لا تشعر أن هناك ظلما يقع عليها.

و قد رأينا كيف أن معاوية قد قام منذ البداية بلغم الاسلام بمجموعة من المفاهيم الغريبة، بحملة منظمة كرس لها طابورا من مدعي الصحبة و واضعي الحديث و القصاصين و الوعاظ والمفسرين والشعراء والقادة العسكريين والسبابين و غيرهم، حتي أرسي مفهوما جديدا للدولة الاسلامية و قيادتها، اعتمد كمفهوم عملي بديل عن ذلك الذي أراده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ربي خليفته من بعده عليه.

و كانت حملة معاوية الأولي بداية للغم الاسلام بالمفاهيم الغربية الأخري، التي وردت لنا من جاهليات الأرض كلها، حتي أصبحت مهمتنا في تنقية هذا الدين من شوائب و آثار الجاهليات القديمة والحديثة صعبة لا يمكن أن يتصدي لها أفراد معدودن أو مؤسسات معنية، بل لا بد من قيام الأمة كلها بالتصدي لها، ان هذا يستدعي النظر الي الاسلام مجددا و استحضار العقلية الاسلامية النقية غير المتأثرة، لأننا ينبغي أن لا نعالج قضايانا الاسلامية بعقلية غير اسلامية و أدوات غير اسلامية، و ما لم نفكر بذلك بشكل جدي فاننا سنظل نتعامل مع الاسلام تعاملا سطحيا ناقصا.

ان ثورة الحسين عليه السلام من المعالم المهمة و النادرة التي أتيح لأمتنا أن تشهدها عبر تاريخها الطويل، و لن نستطيع فهم تلك الثورة و التعامل مع أحداثها و معطياتها و لم نفهم الاسلام حقا و نحمل عقليته و تصوره.

لم يكن الخيار مفتوحا أمام الحسين عليه السلام ليقوم بثورته و قد رأينا أنه قام بها عندما وجد أنها الأسلوب الوحيد لتنبيه الأمة الي حظر الانحراف المستشري، و ما رآه الحسين عليه السلام رآه أصحابه كذلك و أدركوا أن دماءهم لن تذهب هدرا ما داموا


يشاركون الامام بتلك المهمة الكبيرة، مهمة تقويم الأمة و جعلها تلتفت دائما - حتي و ان امتد الزمن - الي مخاطر كل انحراف محتمل فنتصدي له كما تصدوا هم و وقعوا خلف امامهم ثم استشهدوا بين يديه.

و بالتأكيد، فان ثورة الحسين عليه السلام ستظل معلما لنهضة دائمية و استعداد مستمر من قبل الأمة لمحاربة الانحراف والشرك، و سيظل أصحابه و أنصاره مثلا حيا للثبات علي خط الاسلام و الاستعداد التام للموت في سبيله.