بازگشت

الشيخ الجليل، أنس بن الحرث الكاهلي


«.. شكرالله سعيك يا شيخ...». و كان مشهد أنس بن الحرث الكاهلي من المشاهد الجليلة التي لا يمكن أن تكرر، فابن كاهل الأسدي هذا كان صحابيا، رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و سمع حديثه و شهد معه بدرا و حنينا و كان شيخا طاعنا في السن الا أنه كان علي درجة عالية من حدة الذهن و نفاذ البصيرة بحيث كان يدرك كل ما كان يدور حوله و يري كيف كانت الأمة تستدرج للوقوع في الهاوية الأموية المظلمة.

و كان حديث للرسول صلي الله عليه و آله و سلم بخصوص ابنه الحسين عليه السلام يلوح في ذهنه دائما، فلا يكاد ينساه [1] . و كان المشهد الذي قال فيه هذا الحديث من المشاهد التي لا تنسي أيضا، و كان ابن الحرث بحضرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في ذلك الحين والحسين عليه السلام في حجره، يفيض حنانا لرؤياه، و كان و هو ينظر بعين البصيرة و يتطلع الي مستقبل هذه الأمة، ينطق بما علمه الله اياه علي لسان جبرائيل الأمين، كان يري أن صراعا كبيرا سيدور، و أن الأمة ستنحاز الي جانب الظالم الذي سيكون طرفا في هذا الصراع و يكون الحسين ابنه طرفا آخر فيه، و قد دعا الي نصرته، و شهد له بذلك علي أنه علي الحق. و بذلك أوضح أن فرعون الذي سيقف مقابله سيكون مبطلا، حتي و ان سكتت الأمة عنه و وقفت أعداد كبيرة من أبنائها الي جانبه و في صفه.

و اذ كانت الأمة مشلولة مخدرة جاهلة، فما عذر هذا الصحابي الجليل الذي سمع هذا الحديث من فم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم مباشرة. و كأنما قدر الله أن يسمعه هو ليحظي بنعمة الشهادة معه والورود الي جده صلي الله عليه و آله و سلم، يعلمه أنه قد استجاب له و نصره، و أنه لم يضيع حديثه أو ينساه أو يزوره، كما فعل العديدون بأقواله جاعلين من صحبتهم المزعومة له تجارة يشترون بها ود فراعنة الأمة و يغترفون من الأموال التي سرقوها منها.

و بحكم السن والشيخوخة كان بامكان هذا الشيخ ألا يشارك في القتال، اذ كان


معذورا، غير أنه رأي أن لا يضيع فرصة نصرة الحسين عليه السلام و قد سمع جده صلي الله عليه و آله و سلم يأمر بها، و كانت فرصة نادرة جاد بها الزمان له و هو في أخريات سنيه. و قد التقي بالحسين عليه السلام و هو في طريقه الي العراق، و كان يعلم أنه مقتول هناك، فجاء ليقتل معه.

أية عزيمة جاشت بقلب ذلك الشيخ الجليل، فجعلته يقف قبالة الحسين و يستأذنه في القتال بعد أن قتل معظم أصحابه، و قد برز شادا وسطه بالعمامة رافعا حاجبيه بالعصابة عن عينيه و هو يقول:



قد علمت كاهل ثم دودان

والحنذفيون و قيس عيلان



بأن قومي آفة للأقران

و أنني سيد تلك الفرسان [2] .



و كان مشهدا استدر الدموع من عيني الحسين عليه السلام، و قد رأي كيف أن هذه الأمة المستسلمة لطغاتها تقدم علي مقاتلته، و تقتل أصحابه، و تواجه هذا الشيخ الذي يريد انقاذها بالسيف بدل أن تستمع اليه و تسترشد بأقواله و رواياته عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

بكي الحسين عليه السلام عندما رآه بتلك الهيأة و قال: (شكر الله سعيك يا شيخ) [3] ، و كما قتل من قبل عمار بن ياسر و هو شيخ كبير، قاتل تحت لواء أميرالمؤمنين، بعد أن قتل العديد من أعدائه، فعل هذا الشيخ الصحابي فعله، و قتل بعد أن قتل بعض أعدائه، و لعله في الظرف العادي غير قادر علي فعل شي ء كهذا، غير أنه و قد وضع الاسلام و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أمامه، استنفر كل ما بقيت له من قوة و جلد و ثبات ليقاوم به أعداءهما، و كان يري أن تلك الساعة التي قاوم فيها.أداء الله هي الجديرة بأن يبذل كل ما كان لديه من جهد و نشاط ليقدم كل ذلك و ليقدم نفسه قربانا دون الحسين عليه السلام و دون رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم والاسلام، ليفد علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و قد نصح و وفي و وقف وقفة الحق في الظرف المناسب.


پاورقي

[1] و هو الحديث الذي ورد فيي (ينابيع المودة) الباب الستون / للقندوزي - عن أنس بن الحارث، و أسد الغابة 349/1. و کنز العمال 233/6 والاصابة 68/1 و ريحانة الرسول / لابن عساکر 239«ان ابني هذا يقتل بأرض من العراق، الا فمن شهده فلينصره» و قد تحدثنا عن الروايات الواردة عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بخصوص استشهاده الحسين في کربلاء.

[2] الخوارزمي 18/2 و ابن شهر آشوب 102/4.

[3] الخوارزمي 18/2 وابن شهر آشوب 102/4.