بازگشت

بنو عقيل،تفديك أنفسنا و أموالنا و أهولنا، حتي نرد موردك


و هؤلاء بنوعقيل (جعفر، و عبدالرحمن، و عبدالله) عزموا علي اكمال مسيرة أخيهم مسلم والموت مع الحسين عليه السلام و رفضوا التخلي عنه، حتي بعد أن توجه اليهم بخطابه يدعوهم لذلك، قال لهم عليه السلام: (يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا، قد أذنت لكم.

قالوا: فما يقول الناس؟ يقولون انا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا، خير الأعمام، و لم نرم معهم بسهم و لم نطعن معهم برمح، و لم نضرب معهم بسيف، و لا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل، و لكن تفديك أنفسنا و أموالنا و أهلونا، حتي نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك) [1] .. و قد فدوه بأنفسهم و قاتلوا معه و استشهدوا بين يديه، و وقفوا بوجه أعدائه وقفة ثبات صلبة.

و هكذا فعل عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب و محمد أخوه الي أن استشهدوا بين يدي الحسين عليه السلام.

كانوا قد قرروا المسير مع الحسين عليه السلام و الموت معه، و لم يكن أحد بقادر علي ثنيهم عن قرارهم البات والحاسم.

و تذكر رواية وردت عن طريق عبدالله بن سليم و المذري بن المشمعل الأسديين و هما ممن حاول ثني الحسين عن المضي بمسيرته و ذلك قبل أن يلتقي بالحر، و قد رأيا انقلاب الكوفة عليه، قولهما له: (ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا،فانه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة، بل نتخوف أن نكون عليك، فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب) [2] .

و يؤيد هذه الرواية داود بن علي بن عبدالله بن عباس بقوله: (ان بني عقيل قالوا: لا والله لا نبرح حتي ندرك ثأرنا، أو نذوق ما ذاق أخونا) [3] .

و يضيف الأسديان قائلين: (فنظر الينا الحسين فقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه قد عزم له رأيه علي المسير) [4] .

ان هذه الرواية التي رويت عن الأسديين - والتي قد تكون محورة في بعض


أجزائها - قد أيدها داود العباسي، توحي بأن الحسين عليه السلام ربما كان قد عزم علي التراجع بعد أن رأي أن موقف الكوفة لم يكن لصالحه، غير أنه لم يفعل ذلك و استمر في طريقه الي الكوفة استجابة لموقف بني عقيل المطالب بالثأر لمسلم.

و نتساءل هنا: هل أن المسألة هنا مسألة عاطفية تتعلق بجريمة قتل و ثأر يطالب به آل القتيل،؟ هل نظر الحسين عليه السلام و بنوعقيل الي المسألة من هذه الزاوية،؟ و من يثأر بنوعقيل،؟ هل من الدولة كلها أو من ممثلها المحاط بالأعوان المحترسين المدججين بالسلاح؟ و ماذا تجدي مطالبتهم بثأر أخيهم اذا ما كانوا سيلحقون به و يضيفون دماءهم لدمه المراق في الكوفة،؟.

و هل كان أشد حبا لمسلم و تعلقا به من ابن عمه الحسين عليه السلام حتي لا يري ضرورة للثأر - لو أن المسألة مسألة ثأر - و يرونها ضرورية؟.

ربما كان الحسين عليه السلام في تلك المرحلة من الطريق و قد وردت اليه أخبار قتل مسلم أراد أن يعرف استعداد اخوته لمواصلة المسير معه فطلب منهم العودة و ربما أراد تجنيبهم القتل الذي واجه مسلم الا أنهم رفضوا و قالوا ما قالوه في معرض المواساة و ابداء الاستعداد لاكمال المسيرة حتي النهاية.

و مهما يكن من أمر، فان مواقف بني عقيل دلت دائما علي احترامهم و حبهم لامام الأمة و استجابتهم التامة له و حرصهم علي الاستشهاد بين يديه دعما لقضيته التي فهموها و وعوها و حملوها. و بذلك ساهموا بتنبيه الأمة كلها الي أهميتها لمواجهة الطغيان الأموي الجارف.


پاورقي

[1] نفس المصدر 316-315/3.

[2] نفس المصدر 303/3.

[3] المصدر السابق 303/3.

[4] المصدر السابق 303/3.