بازگشت

كاد أن يقتل شمرا لولا أن منعه الحسين


كان مسلم بن عوسجة يتحرق شوقا - في كل مرحلة من مراحل مسيرته مع الحسين عليه السلام قبل بدء المعرة و بعدها - لمنازلة عدوه.

روي عن الضحاك المشرقي [1] ، قال: (لما أقبلوا نحونا فنظروا الي النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنا ألهبنا فيه النار فيه من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا، اذ أقبل الينا منهم رجل يركض علي فرس كامل الأداة، فلم يكلمنا حتي مر علي أبياتنا، فنظر الي أبياتنا، فاذا هو لا يري الا حطبا تلتهب النار فيه، فرجع راجعا، فنادي بأعلي صوته: يا حسين، استعجلت النار في الدنيا، قبل يوم القيامة، فقال الحسين: من هذا؟ كأن شمر بن ذي الجوشن؟.

فقالوا: نعم، أصلحك الله، هو هو.

فقال: يابن راعية المعزي، أنت أولي بها صليا.

فقال له مسلم بن عوسجة: يابن رسول الله، جعلت فداك، ألا أرميه بسهم، فأنه قد أمكنني، و ليس يسقط مني سهم، فالفاسق من أعظم الجبارين فقال له الحسين: لا ترمه، فاني أكره أن أبدأهم) [2] .

كان مسلم بن عوسجة يعرف شمر بن ذي الجوشن لأنه كان من أهل الكوفة، و قد عاش الأحداث التي مرت بها عند قدوم مسلم بن عقيل و شارك فيها، بل كان له دور رئيسي فيها، و لا شك أنه في فترة اختفائه بعد فشل ثورة مسلم قد تابع تطورات الأحداث واطلع علي دور شمر التحريضي علي الحسين عليه السلام والمتحيز لابن زياد، و قد وجد أنها فرصة سانحة عندما أتيحت له و كان يستطيع قتله أو اصابته، فطلب من الحسين عليه السلام أن يرميه، الا أن الحسين عليه السلام رفض بذلك.

كان يعلم أن الباغي مصروع، و ان حسب أنه منتصر، و أنه مغلوب، و أن نتيجة بغيه ستكون و بالا عليه، و كان يريد أن يواجه الجيش المعتدي بسبب مجيئه الي الكوفة، ويوضع لأفراده مسؤولياتهم في ظل تلك الأوضاع الحرجة التي كانت تمر


بها الأمة، و يريدهم أن يتخلوا عن مواقفهم المساندة لنظام البغي الأموي و ينحازوا للاسلام و يعودوا اليه ثانية.

و اذا ما ضرب شمر أو قتل فلعل الدعاية الأموية ستصور المسألة و كأنها اعتداء سافر من الحسين عليه السلام و ستستغل مقتل شمر أو اصابته لكي تقول بعد ذلك أنها لم تقصد قتل الحسين عليه السلام و أصحابه و أنها كانت تريد توفير حياتهم لو لم يقوموا هم (بالعدوان) و ليس أدل علي ذلك من قتلهم شمر قبل بدء المعركة التي سيدعون أنهم لم يكونوا يريدونها أصلا.

ثم: من يكن شمر، سواء قتل أو بقي حيا، فهو ليس سوي مسمار صغير في عجلة الدولة الكبيرة، أنه لا يستحق أن يشكل قضية لوحدها فيما لو قتل، ان الدولة ستسغل قتله، و ستتمادي في عدوانها و تجاوزاتها علي الأمة بحجة القضاء علي المعارضة المتمثلة بموالي محبي آل البيت و السائرين علي خطهم.

أما مسلم بن عوسجة، فكان يري الجانب القائم من المسألة، يري حربا أوشكت أن تدور رحاها. و يري أحد أعوان السلطة الظالمة و هو يعتدي و يتجاوز بلسانه السليط علي امام الأمة، و اذا ما كان مصيرهم القتل، و قد علم ذلك و تأكد منه، فلماذا لا يزيح أمثال هذا الطاغية من أمامه، قبل أن تتاح له فرصة مشاهدتهم قتلي بعد ذلك.

كان الحماس الذي يعصف بقلب مسلم يزيح كل خوف محتمل من الموت و القتل، و ان كان قتلا مريعا.


پاورقي

[1] و هو ممن التحق بالحسين عليه‏السلام و أعطاه عهدا أن يقاتل بين يديه ما کان قتاله معه نافعا، فاذا لم يجد مقاتلا معه کان في حل من الانصراف... الطبري 330/329/3.

[2] الطبري 319/3.