الشيخ ينازل الفرسان
ان مشهدا آخر يطالعنا في غمار المعركة، و هو المشهد الذي طلب الحسين عليه السلام في بدايته من أصحابه أن يسألوا أصحاب ابن سعد ليكفوا عنهم حتي يصلوا صلاة الظهر، و قد حان وقتها. و قد سألوهم ذلك فعلا، الا أن الحصين بن تميم أحد أفراد الجيش المعادي، و ممن عرف بمواقفه المتطرفة ضد الحسين و أصحابه أجابهم قائلا: (انها لا تقبل. فقال له حبيب بن مظاهر: لا تقبل - زعمت - الصلاة من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و تقبل منك يا حمار؟.
فحمل عليهم حصين بن تميم، و خرج اليه حبيب بن مظاهر، فضرب وجه فرسه بالسيف، فشب و وقع عنه، و حمله أصحابه فاستقذوه. و أخذ حبيب يقول:
أقسم لو كنا لكم أعدادا
أو شطركم و ليتم أكتادا
يا شر قوم حسبا و آدا
و جعل يقول يومئذ:
أنا حبيب و أبي مظاهر
فارس هيجاء و حرب تسعر
أنتم أعد عدة و أكثر
و نحن أوفي منكم و أصبر
و نحن أعلي حجة و أظهر
حقا و أنقي منكم و أعذر ( [1] .
لقد آلمه أن يسمع من حصين بن تميم قوله المتجني، أن الصلاة لا تقبل من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و تقبل من أعدائهم. فهل أن الأمر كما قال حصين حقا؟ هل ستقبل من أولئك القتلة، و لا تقبل ممن ينتصر لله و دينه و رسوله؟.
لم ير حبيب وجه عذر لأولئك الذين أرادوا منعهم الصلاة، و قد حان وقتها، فصال عليهم و تصدي لذلك (المتطوع) السمج الذي تبرع بفتواه متهجما علي الحسين و أصحابه. و قد أوشك حبيب أن يقتله لو لم يستنقذه أصحابه.
و قد أوضحت مواقفه و أقواله عن قناعته المطلقة بصحة مسيرة الحسين. و كان يبدو في كل وقت حريصا علي تلبية ندائه والمضي معه الي النهاية، و كان يعلم أن النهاية تعني القتل المؤكد، وهو ما لم يكن يهابه، بل رآه نهاية سعيدة.
(و قاتل قتالا شديدا، فحمل عليه رجل من بني تميم، فضربه بالسيف علي رأسه، و كان يقال له بديل بن صريم من بني عقفان، و حمل عليه آخر من بني تميم فطعنه، فوقع، فذهب ليقوم، فضربه الحصين بن تميم علي رأسه بالسيف، فوقع، و نزل اليه التميمي فاحتز رأسه) [2] ليأخذه لابن زياد، و قد حسب أنه سينال أجرا كبيرا منه علي جريمته. و حسب بذلك أنه سيضمن منزلة وجاها و ثروة يسعد بها الي الأبد.
پاورقي
[1] الطبري 327-326/3.
[2] المصدر السابق.