بازگشت

يطلب الشهادة قبل الجميع


و اذ أن عليا الأكبر كان يفيض حماسا و غيرة علي الاسلام، و اذ أنه كان رساليا واعيا يدرك أن الاسلام قد انتهك حقا و يري أن عودة الأمة لا بد أن تكون عودة واعية تستهدف تخليصه من كل ما ألحقه به حكام الانحراف، و أن تلك العودة لا بد أن تكون سريعة و الا ضاعت الفرصة للأبد. و اذ أنه كان يعي بشكل واضح هدف والده عليه السلام من المواجهة مع دولة الظلم. تلك المواجهة التي اتخذت طابعا دمويا لحرص أقطاب تلك الدولة علي امتيازاتهم و مصالحهم، و لسنوح الفرصة لهم للنيل ممن كانوا يرونه مصدرا لازعاجهم و قلقهم، معتقدين أنهم اذا ما قتلوه قتلة شنيعة و مثلوا بجثته و جثث أصحابه و آذوا أطفاله و عياله، فانهم بذلك يقطعون دابر كل معارضة في المستقبل و يتجنبون كل مواقف المواجهة المحتملة، فان علي بن الحسين، كان كوالده - يري أن دماءهم هي وحدها الكفيلة بلفت نظر الأمة الي مدي الحظر الذي كانت تتعرض في ظل دولة الظلم والانحراف. و كان لون الدم الأحمر القاني هو وحده الذي سيظل يتراءي أمامها كلما غفت أو استسلمت للانحراف أو هادنته.


و كان حريصا علي تقديم دمه قبل آل أبي طالب كلهم و علي أن يموت دون والده ليحتسبه عندالله كما احتسب أصحابه الغياري ولكي يرد قبله علي جده صلي الله عليه و آله و سلم، و كانت كل وقفة منه تدل علي أنه كان متلهفا علي القتال بل و فرحا به و بمواجهة الموت طالما أن ذلك سيكون من شأنه نصرة الاسلام و رفع كلمته و اعادته الي مكانته - التي فقدها - من المسلمين، و لم يحسب أنه كان يقوم بأمر عادي بسيط ينال بمجرد التمني و انما كان يري أنه يساهم بأكبر مهمة أتيح للمسلمين أن يشهدوها في تاريخهم و هي العودة الواعية للاسلام المحمدي والتراجع عن (الاسلام) الأموي المغشوش المزيف. و اذ أن ذلك كان يبدو شبه مستحيل في ذلك الوقت. الا أن الذي يري الله حقا لا يراه كذلك، و يري أن من واجبه في كل الأحوال تحمل مسؤوليته و أداء ما عليه من واجبات، أما النصر و ما يتحقق من نتائج لصالح الاسلام فذلك مرهون بالمشيئة الالهية الحكيمة المدبرة.

لم يكن عليه أن يتساءل عن السر وراء تسلط طواغيت أمية علي الأمة، فذلك أمر لم يجر بشكل مفاجي ء و انما جري التمهيد له عبر مدة طويلة جردت فيها الأمة من مقومات الوعي و الصمود. و انما كان يتساءل عن مسؤولياته في ظل أوضاع كتلك ساد فيه الانحراف و أبعد الاسلام عن حياة الأمة و واقعها، و مسؤولياته كانت تؤكد أن عليه أن يقاوم و يقاتل و يواجه السيف بالدم مهما كانت النتائج، حتي و ان أريق هذا الدم في ساحة المواجهة.

و هكذا عزم علي الأكبر علي القتال و استأذن أباه في الخروج الي الساحة، أي مشهد ادعي للحزن من ذلك المشهد الذي يري فيه أب ابنه و هو يوشك علي مواجهة قتلة مريعة علي يد أعداء غادرين متربصين متلهفين علي سفك دمه؟

و اذا ما كان هذا الأب هو الحسين عليه السلام، و من ينبغي للأمة أن تقابل صنيع جده صلي الله عليه و آله و سلم و أبيه عليه السلام و صنيعه هو معها اذ يرفض الانحراف و يحاول العودة بها الي ظلال العهد المحمدي الصافي المبرء من العيوب والأخطاء، برد يساوي ذلك الصنيع والجميل الذي أسدوه للأمة. و اذ لم تكتف بذلك و لم تكتف بمجرد التخلي عنهم، و انما تنحاز الي صف أعدائهم و مناوئيهم و تساندهم و تشهر سيوفها دفاعا عن مصالحهم و امتيازاتهم. و يكون من تشهر سيوفها بوجوههم هذه المرة آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنفسهم، و من ينبغي عليها برهم و انتهاج طريقهم و اتباع منهجهم، فأية مراراة و أي حزن سيشعر بهما و هو يري هذه الأمة المتخاذلة المهزومة تتظاهر بالقوة أمامه هو


و تستهدف قتله و قتل بنيه و آله و أصحابه لأنهم أرادوا تخليصها هي من ذلها و عبوديتها و هزيمتها و اعادتها أمة سليمة لا تشتكي المرض والانحراف و لا تعاني من الجور و من الفراعنة الجدد الذين سطوا علي مقدارتها و مكاسبها.