بازگشت

عرف أهداف أبيه فنصره علي عدوه:«ألسنا علي الحق؟اذا لا نبالي،نموت محقين»


(.. لما ارتحلنا من قصر بني مقاتل، وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة، ثم انتبه و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون، والحمدلله رب العالمين.

ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا. فأقبل اليه ابنة علي بن الحسين علي فرس له، فقال: انا لله و انا اليه راجعون، والحمدلله رب العالمين. يا أبت، جعلت فداك، مم حمدت الله و استرجعت؟.

قال: يا بني، اني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس علي فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري اليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا.

قال له: يا أبت، لا أراك الله سوءا،السنا علي الحق

قال: بلي، والذي اليه مرجع العباد.

قال: يا أبت اذا لا نبالي، نموت محقين.

فقال له: جزاك الله من ولد خير ما جزي ولدا عن والده) [1] .

لقد كشف هذا الحوار عن تعلق الابن الشديد بوالده، والحب الغامر الذي كان يشعر به تجاهه، كان الحسين عليه السلام محور اهتمامه علي الدوام. و كان يترقب كل حركة و كل كلمة تخرج من شفتيه ليكون طوع اشارته و أول مستجيب له. و اذ أنه كان من أعلم الناس بوالده و أكثرهم معرفة به و بموقعه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من المسلمين فانه كان دائما، لا خلال مسيرة الطف و حسب، يلازمه و يتتبع سلوكه و سيرته التي هي جزء مكمل لسيرة جده صلي الله عليه و آله و سلم نفسه. و كان يعد نفسه ليكون عالما من علماء الأمة و هو


يرشف من علم والده الذي يفيض في مجالسه في المدينة و غيرها، كما سبق لنا أن ذكرنا عند التحدث عن سيرته عليه السلام.

لم تفت الابن البار حركة والده و استرجاعه و حمده. و اذ أنه كان رفقا به حفيا، حريصا علي أمنه و هدوئه و راحته. فانه لم يفاجئه بالسؤال و انما استرجع كما استرجع و حمدالله كما حمده والده. و كان ذلك بداية لاقدامه علي سؤاله بكل العطف الذي تفيض به نفسه عن سبب استرجاعه و حمده. و قد أعلمه الامام عليه السلام أنه يشعر أنهم سيموتون في سفرهم هذا.

و هنا، لم يهم عليا الأكبر سوي أمر واحد، و هو أنهم علي صواب و أنهم علي الحق. كان هذا هو الأمر الوحيد الذي يهمه، أما ما عداه؛ أما آلام الموت و الجراحة و ما سيلاقيه من متاعب و مشاق، فلم يكن تبدو له أية أهمية في نظره.

و لم يكن بحاجة لمن يطمئنه علي صواب ما كان يقوم به مع والده. فالشك لم يعرف طريقا اليه منذ البداية. و لعل تساءله: ألسنا عي الحق. اقرار لأمر واقع و حقيقية مؤكدة، لقد أراد أن يقول: ما دمنا علي الحق، اذا لا نبالي، نموت محقين، و اذ أن الامام عليه السلام يؤكد له ذلك فانما كان يؤكد تلك الحقيقة و كان يثير في ولده شحنة عاطفية كبيرة ليكون انحيازه الي جانب الاسلام و نصرته تاما لا نقص فيه.

كانت كلمات ذلك الشاب المكتمل رجولة و شجاعة، و أشبه الناس خلقا و خلقا برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تثير اعجاب الوالد بشكل واضح. فها هو ابنه أول من يعلن عن استعداده لمواجهة الموت و قد تقن أنه علي حق، و كان يري أن الخسارة الحقيقية هي التخلي عن الاسلام لا بذل الحياة في سبيله.. و لعلها ستثير اعجاب الأمة كلها حتي أولئك المتخاذلين المستسلمين الذين التحقوا بركب ابن سعد و شاركوا بجريمة القتل النكراء، خصوصا و ان كلماته قرنت بفعل حقيقي كبير، جرد فيه علي الأكبر سيفه ليواجه خصوم الاسلام و أعداءه في معركة غير متكافئة من حيث العدد والعدة، و قدم نفسه فيها كأول شهيد من آل الحسين و آل أبي طالب.


پاورقي

[1] الطبري 309/3.