بازگشت

عليك مني السلام أباعبدالله


كان سباقه معهم يوشك أن ينتهي، و قد نجحوا بقطع شماله أيضا. و كان ايصال قربة الماء يمثل له الهدف الرئيسي في تلك الحظات المتبقية له من العمر.

و لن يتاح لأحد علي هذه الأرض أن يشهد مشهدا كالذي شهده أعداء العباس. فها هنا فارس يحيط به أعداؤه ينتهزون منه ضعفا أو غفلة ليجهزوا عليه، و قد قطعوا يديه و أوشكت قربة الماء التي يحملها أن تسقط لو لم يتداركها بما بقي من زنديه و ربما بفمه كذلك ليظل محافظا عليها حتي يوصلها سالمة الي الحسين و الي الأطفال و النساء والعطاشي. و اذا أنه أمر لم يحدث أبدا و لم يقيض لأحد أن يشهد مثله، فانه يظل ماثلا في الأذهان الي الأبد.

فالفارس يقبل أن يتخلي عن كل شي ء، حتي حياته، لكنه يرفض أن يتخلي عن هذه القربة التي أمره امامه و قائده بجلبها اليه. و اذا أنه لم يعد قادرا علي القتال، فان أعداءه استهدفوا القربة هذه المرة، و لم يستهدفوها قبل ذلك عندما كان سالما لأنهم


كانوا سيدفعون الثمن غاليا، أما هذه المرة، و قد قطعت يداه و سقطت سيفه فان أعداءه، رشقوه و رشقوا قربته بعشرات السهام. و كان قتل حامل الراية والفارس الذي رفض أمانهم وانتزع منهم الماء بالقوة قبل ثلاثة أيام يمثل بنظرهم نصرا كبيرا و ان كان قد تم بالغدر والخديعة. أريق ماء القربة و أصاب سهم صدره و آخر احدي عينيه، و ضربه آخر علي رأسه فانقلب عن فرسه الي الأرض. و كانت فرصة ثمينة لم يضعها أعداؤه. و هو علي تلك الحال فبادروا اليه يقطعونه بأسيافهم. فقد كان هو الذي أخر المعركة الي ذلك الحين و جعلهم يتكبدون خسائر فادحة، و كأنهم اذ يوجهون اليه أسيافهم ينتقمون بذلك من الحسين عليه السلام و من أبيه أميرالمؤمنين عليه السلام و من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه.

و كانت كلماته الأخيرة نداء حميما وجهه لأخيه الحسين عليه السلام:

«عليك مني السلام أباعبدالله»