بازگشت

تساؤلات المتخاذلين


و نحسب أن الذي يطرح هذه الأسئلة قد يريد القول: ما جدوي الثورة كلها اذا ما كان الأمر سينتهي تلك النهاية المأساوية..؟ و ما جدواها و قد سكتت الأمة كلها عن يزيد و استسلمت له؟


أما بواعث الثورة فقد عرفناها، و عرفنا أنها ما كانت تحقق هدفها - في ظل الأوضاع التي قامت فيها - لو لم تتم بتلك الصورة المأساوية.

كان الحسين عليه السلام يسلم العباس رايته لتخفق فوق رؤوس أصحابه متحديا كل عنجهية و كبرياء دولة الظلم و كل جيوشها و طغاتها، ليرسل بذلك اشارة واضحة للأمة كلها: أن مواجهة الظلم ينبغي أن تتم في كل ظرف ومهماكانت قوة الظالم.

والراية لا بد أن ترفع مهما كان عدد الذين يقفون تحتها و يستظلون بطلبها. والسكوت عن الظالم يعني الاقرار (بشرعية) وجوده و ظلمه.

كيف كنا سنلتفت نحن الي ظلم يزيد لولم يرفع الحسين عليه السلام رايته بوجهه؟.

و اذا ما كان الحسين عليه السلام قد قرر الثورة والمواجهة، فهل يذهب ليسلم نفسه لأعدائه في كربلاء دون قتال أو دفاع عن النفس؟ أيصح منه هذا لو فعله؟ و هل كنا نحن نقبل ذلك؟.

الحسين عليه السلام لم يذهب الا مقاتلا، حتي ولوه بقي وحده. و لقد قاتل عندما بقي وحده، و قتل و هو يحمل الاصرار علي مواجهة دولة الظلم و تحديها و مقاتلتها، و بذلك حفظت لنا تلك الصورة الفريدة للمواجهة و ظلت أمام أنظار المسلمين دائما. و قد ظلت شاخصة مثالا للتحدي للازم والواجب لدولة الظلم أينما وجدت، تهز كل منتم حقيقي للاسلام و تقلق كل أعدائه و كل من لا يجد في نفسه قوة علي حمل رايته أو الوقوف تحتها.

و لعلها صورة تفزع كل ضعيف، أن تقوم تلك القلة من أصحاب الحسين عليه السلام بتعبئة نفسها و رفع رايتها بمواجهة جيش كبير حاشد متعطش لدمها، مدفوع بارادة ظالمة لسحقها و ابادتها و استئصالها.

ان الذي وجد، أن الأمر كان يستحق المواجهة والثورة، وجد أن عليه أن يموت ميتة جديرة بتلك الثورة. يموت مقاتلا بعد أن يقتل فردا أو فردين من أعوان دولة الظلم و الا فهل يقدم علي المواجهة، و يجلس مقابل أعدائه، ينتظر اللحظة التي يقضون فيها علي حياته دون أن يرفع يدا للدفاع عن نفسه؟.

ومع أن الصورة كانت محزنة، وقوف تلك القلة المستبسلة التي ترفع راية الاسلام الحقيقية بمواجهة البحر المتلاطم من الجند، الا أنها كانت صورة بديعة لن


يتاح للبشرية أن تشهد مثلها، و كان لها معني واحد و رسالة واحدة كتبتها تلك القلة للأمة كلها:

لا بد للاسلام أن يجد من ينتصر له. و ان عجز الجميع عن ذلك و خافوا من مواجهة دولة الظلم، فها نحن نواجهها غير عاجزين و لا خائفين رافعين راية الاسلام، و ان الأمر الذي كان غير قابل للتصديق قد حصل.. وها نحن نقدم حياتنا في سبيل الاسلام و نقاتل في سبيله، و ها نحن ننتصر علي أعدائنا رغم كل قوتهم وكيدهم وعددهم.

و قد وصلت رسالة الحسين عليه السلام للأمة فعلا و وجدت من يستقبلها و يعيها، و وجدت من يلتحق بموكب أصحبه و ان بعدت الشقة و طال الزمن.