بازگشت

تلهف علي الشهادة


كان زهير يبدو حريصا و متلهفا علي قتال أعداء الحسين عليه السلام والشهادة بين يديه. و قد اقترح علي الحسين أن يقاتلوا الحر و أصحابه ما دام عددهم لم يتصل الي ذلك الذي أعده ابن زياد لمواجهتهم. و قد قال للحسين: (يابن رسول الله، ان قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعد من تري ما لا قبل لنا به) [1] الا أن الامام عليه السلام رد عليه قائلا: (ما كنت لأبدأهم بالقتال) [2] .

كان زهير يري أنهم يستطيعون التغلب علي ألف من المقاتلة الفرسان الذين يؤلفون جيش الحر، مع أن عددهم لم يكن يتجاوز السبعين الا بقليل. و كان حماسه بمستوي المهمة التي مضي اليها مع الحسين و أصحاب الحسين عليهم السلام.


و لا بد أن أسباب رفض الحسين عليه السلام بدء القتال كانت وجيهة و مهمة اضافة لما فيها من أمر مبدئي دعا اليه الاسلام و قد أراد الحسين عليه السلام الحفاظ عليه والتمسك به.

فلو أن الحسين عليه السلام تغلب علي الحر و أصحابه فان ذلك سوف لن يكون دون ثمن. و لا بد أن معظم أنصاره و آل بيته سيقتلون في تلك المعركة، وستواجه القلة الباقية المنهكة جيشا كبيرا سيقال له: ان الحسين اعتدي علي أصحابكم وبدأهم بالقتال و كان ينبغي عليه أن يتفاوض معهم و يفسح المجال للتفاهم والحوار. وستظهره أجهزة اعلام الدولة و أبواقها بمظهر المعتدي الذي جني عاقبة عدوانه.

ولو أن الحسين عليه السلام و أصحابه قتلوا كلهم في تلك المعركة قبل أن يواجهوا أهل الكوفة الذين ألفوا جيش ابن زياد، و قبل أن تصل أخبار مسيرتهم المظفرة الي كل الأسماع و تطلع عليها الأمة كلها، فان المهمة ستظل مبتورة و لن تسمع الأمة السبب الحقيقي الذي دعا الحسين عليه السلام و أصحابه لمواجهة الدولة الظالمة، و لضاعت أخبار المعركة كلها.

و ربما حاولت دولة الظلم الأموية اليزيدية التعتيم علي المهمة كلها، و ربما ألقت اللوم علي الحر بن يزيد و حده و حملته مسؤولية قتل الحسين عليه السلام و لقالت أنه لم يؤمر بذلك و أنه تصرف بشكل كيفي و ان عمله كان طائشا، و لتنصل الجميع من الجريمة بما فيهم يزيد و ابن زياد و ابن سعد.

لا شك أن الدوافع التي جعلت الحسين عليه السلام يرفض منازلة الحر عديده. و لعل ما ذكرناه هنا و في الفصل السابق قد تكون من جملتها.


پاورقي

[1] الطبري 310/3.

[2] الطبري 310/3.