بازگشت

القلوب قبل السيوف: أنحن نخلي عنك..


و قد رفض أصحابه و أهل بيته التخلي عنه، كما فعل البعض في مواقف سابقة أخري، و أبدوا عزمهم و تصميمهم علي البقاء معه مواسين له بأنفسهم، ينالهم ما يناله. فهم لم يأتوا معه الا بعد أن أدركوا أبعاد مهمته و أهدافها، تلك المهمة التي انتدبوا أنفسهم لتنفيذها بعد أن انتدب الحسين عليه السلام نفسه في المقدمة.

و كان ذلك اللقاء فريدا، عبروا فيه عن استعدادهم للوقوف الي جانب الاسلام و انحيازهم التام له، بعد أن وقفوا الي جانب الحسين عليه السلام ورفضوا التخلي عنه.

كان لقاء حافلا تحدثت فيه القلوب قبلذ أن تصدر الكلمات. و لعل ما صدر فيه من كلمات جعل الجميع في غبطة غامرة رغم اقبال الموت عليهم و رغم ضجيج الأعداء و تهديداتهم وقعقعة أسلحتهم. فكأنهم لم يروا أحدا من هؤلاء الأعداء أمامهم. و كأن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان يمثل أمامهم بشخصه الكريم و يتحدث اليهم، عندما كان يمثل ابنه الحسين عليه السلام أمامهم و يتحدث اليهم. لم يروا في تلك اللحظات الا الله و الا دينه و رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم. و لم يملكوا الا أن يبدوا استعدادهم لتقديم كل شي ء في سبيله و لوجهه. و لم تلح علي أحدهم امارة خوف أو تردد أو تخاذل. كانت عزيمتهم أقوي من ضجيج أعدائهم و صخبهم و تهديداتهم. و لعلهم كانوا يترقبون الساعة التي يثبتون فيها ولاءهم للحسين عليه السلام و للاسلام و يثبتون انتماءهم الحقيقي له.

(قال له اخوته و أبناؤه و بنو أخيه و أبناء عبدالله بن جعفر: لم نفعل لنبقي بعدك، لا أرانا الله ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباس بن علي.

ثم انهم تكلموا بهذا و نحوه. فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم. اذهبوا قد أذنت لكم.

قالوا: فما يقول الناس، يقولون انا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام، و لم نرم معهم بسهم، و لم نطعن معهم برمح، و لم نضرب معهم بسيف، و لا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل، و لكن تفديك أنفسنا و أموالنا و أهلونا، و نقاتل معك حتي نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.

فقام اليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلي عنك، و لما نعذر الي الله في أداء حقك. أما والله حتي أكسر في صدورهم رمحي، و أضربهم بسيفي ما ثبت


قائمه في يدي، و لا أفارقك، و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتي أموت معك.

و قال سعيد بن عبدالله الحنفي: والله لا نخليك حتي يعلم الله أنا حفظنا غيبة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيك. والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حيا ثم أذر، يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتي ألقي حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك، و انما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا؟

و قال زهير بن القين: والله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت، حتي أقتل كذا ألف قتله. و ان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.

و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فقالوا: والله لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا و أيدينا. فاذا نحن قتلنا كنا وفينا، وقضينا ما علينا) [1] .


پاورقي

[1] الطبري 316/3 واللهوف 39-38 و ابن الأثير 285/3 و روضة الواعظين 183 والخوارزمي 1 ف 11 والمفيد 210 والنويري 435/20 و جمهرة خطب العرب 43-41-2 و أمالي الصدوق م 30 و المجلسي 394-492-44.