بازگشت

عبدالله بن بقطر: انصروا الحسين و آزروه


فعندما وصل الحسين عليه السلام خبر مقتل عبدالله بن بقطر أخيه من الرضاعة [1] علي يد ابن زياد (و كان سرحه الي مسلم بن عقيل و هو لا يدري أنه قد أصيب، فتلقاه خيل الحصين بن تميم بالقادسية، فسرح به الي عبيدالله بن زياد، فقال: اصعد فوق القصر فالعن الكذاب بن الكذاب، ثم انزل حتي أري فيك رأيي. فصعد، فلما أشرف علي الناس قال: أيها الناس، اني رسول الله الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لتنصروه و تؤازروه علي ابن مرجانة بن سمية الدعي. فأمر به عبيدالله، فألقي من فوق القصر الي الأرض، فكسرت عظامه، و بقي به رمق، فأتاه رجل يقال له عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه) [2] .

رأي الحسين عليه السلام أن يوجه دعوة لمن التحقوا به أن يتفرقوا عنه. (و كان لا يمر بأهل ماء الا اتبعوه) [3] و قد قال لهم: (أما بعد، فانه قد أتانا خبر فظيع. قتل مسلم بن عقيل، و هاني ء بن عروة و عبدالله بن بقطر. و قد خذلتنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منا ذمام.

فتفرق الناس عنه تفرقا، فأخذوا يمينا و شمالا، حتي بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة.

و انما فعل ذلك لأنه رأي انما اتبعه الأعراب لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه الا و هم يعلمون علي ما يقدمون. و قد علم أنهم اذا بين لهم لم يصحبه الا من يريد مواساته والموت معه) [4] و مشاركته في مهمته الصعبة الكبيرة.


لقد أراد الامام عليه السلام لهم، و للأمة كلها فيما بعد، أن يكونوا علي بينة من الأمر الذي أقدموا عليه، و أنه لم يأت بلدا قد استقامت له طاعة أهله و أن مهمته لن يفهمها و يقدر علي المشاركة فيها الا الذين كانوا علي قدر كبير من الوعي بضرورتها و أهميتها. و الا أولئك الذين امتلكوا حسا اسلاميا صافيا، والذين لا يهمهم الا أن يسود الاسلام و يعلو و تسود أحكامه و مفاهيمه و تشريعاته.

انهم انطلقوا من بين كل أبناء الأمة لانجاز هذه المهمة ليلفتوا نظرها و يحركوها لفعل سريع حاسم بوجه السلطة المنحرفة. فمع أنهم منها، و مع أنهم قلة قليلة، الا أنهم أنجزوا أمرا عجزت عنه كلها، و قاموا بما لم يقم به الملايين من أبنائها.

لقد أرادوا أن يبينوا لها أن مهمتهم هي مهمة كل فرد منها بعينه. و عليه أن لا يتقاعس أو يتخاذل أو يستسلم عندما ينهض لها أو لأمثالها من المهمات و حتي فيما يأتي في زمن لاحق.


پاورقي

[1] کانت أمة حاضنة للحسين عليهم‏السلام.

[2] الطبري 303/3.

[3] المصدر السابق ص 303 و ربما اعتقد بعض من التحق به أن السلاح لا يجوز فيه و لا في أصحابه کما أشيع حينئذ (و کان أهل ذلک الزمان يقولون ذلک الأمر، و ينتظرونه في کل يوم و ليلة) الطبري 297/3.. فعندما علموا بموت مسلم وهاني‏ء و عبدالله أدرکوا أن الأمر لم يکن کما تصوروا و أنهم لم يکونوا مقبلين علي بلد قد استقامت طاعة أهله للحسين عليه‏السلام وأنهم سيضطرون للقتال معه وربما قتلوا اذا ما أرادوا الوصول معه الي نهاية المطاف. و يبدو أن هؤلاء کانوا يريدون الحصول علي بعض المغانم، و لم يريدوا أن يصدقوا أنهم سيتعرضون للمتاعب أو القتل الا بعد ورود خبر مقتل مسلم و هاني‏ء و عبدالله.

[4] المصدر السابق.