بازگشت

سنان بن أنس، وحش مجنون


لقد أراد سنان أن يتباسي أمام شمر و بقية أعوانه، و يثبت لهم أنه جدير بالأعمال الكبيرة و الاقدام علي ما لم يستطع غيره الأقدام عليه، و قد استغل حال الحسين عليه السلام، و قد ضرب بالسيوف و الرماح و النبال و أصابته بالعديد من الجراح.

ليقوم بجريمته الكبري التي ما كان يقدم علي مصراعيه الي دنيا عريضة يتمتع فيها بالجاه و الثروة، و ربما حسده العديدون علي قيامه بذبح الحسين عليه السلام، حاسبين أن دنيا يزيد السحرية قد أصبحت متاحة له ليدخلها الآن و ها هو يحصل علي جا الدنيا و علي ثواب الدنيا و علي مال الدنيا، أما الآخرة، فلم يكن أحد يحسب لها حسابا.

(و جعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين الاشد عليه مخافة أن يغلب علي رأسه، حتي أخذ رأس الحسين، فذبحه الي خولي) [1] .

و هو مشهد لا نراه الا في دنيا الحيوانات المفترسة في الغابة، عندما يريد أحدها الاستئثار بفريسته و يمنع غيره من الاقتراب منه مستعملا أنيابه و مخالبه، و هو مشهد مألوف أصبحنا نراه كثيرا بعد أن صورت لنا حياة الحيوان و نحن نقبع في بيوتنا، فالأمر أمر صراع علي البقاء، و الحياة للأقوي.

ماذا كان يجري في تلك اللحظات اذا؟ كان العديدون يريدون انجاز ما بدأه أنس ليقوموا هم بقطع الرأس و أخذه لابن زياد، و كان هو يدافع عن (حقه) بالحصول علي


كل ما كان يرجو من مكاسب، اذا كان أول من أقدم علي ذبح الحسين عليه السلام، كانت وليمة الدم تحفز الجميع للتنافس علي أخذ الرأس الشريف و الاستعراض به أمام الآخرين.

و اذ أن أنس لم يتح لأحد منافسته لأخذ الرأس الشريف، فان اقتراحات عديدة قدمت اليه ليأتي امراءه يطلب ثوابه منهم. (فقال الناس لسنان بن أنس: قتلت حسين بن علي و ابن فاطمة ابنة رسول الله صلي الله عليه و آله سلم، قتلت أعظم العرب خطرا، جاء الي هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم، فات أمراءك فاطلب ثوابك منهم، لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا.

فأقبل علي فرسه، و كان شجاعا شاعرا، و كان به لوثة، فأقبل حتي وقف علي باب فسطاط عمر بن سعد، ثم نادي بأعلي صوته:



أو قر ركابي فضة و ذهبا

أنا قتلت الفارس المحجبا



قتلت خير الناس أما و أبا

و خيرهم اذ ينسبون نسبا



فقال عمر بن سعد: أشهد أنك لمجنون ما صححت قط، أدخلوه علي، فلما أدخل عليه حذفه بالقضيب، ثم قال: يا مجنون، أتتكلم بهذا الكلام، أما و الله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك) [2] .

و مهما يكن من أمر سنان، فانه لم يفز بما مني نفسه به و ما حسب الآخرون أنه سيفوز، و كان اعترافه بمكانة الحسين عليه السلام خير الناس، اعترافا بفداحة الجريمة التي ارتكبها هو بحقه و بحق رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم و بحق المسلمين كافه، كما كان ادانة لمن كان يسعي لارضائهم أمثال ابن زياد وابن سعد و شمر و أشباههم، كما أنه تجريح غير مقصود بسليل زناة مشهورين لدي المسلمين كافة، استعرضت فضيحتهم في عملية الاستلحاق التي دبرها معاوية متحديا تعليمات الاسلام الواضحة بذلك الخصوص.



پاورقي

[1] الطبري 334 / 3 و المصادر الأخري.

[2] الطبري 335 / 3 و قد روي أن ابن ‏زياد قاله له: (اذا کان خير الناس أما و أبا، و خير عباده، فلم قتلته؟ قدموه فاضربوا عنقه. فضربت عنقه) مروج الذهب 122 / 3 و هو أمر لا يستعبد أن يقدم عليه ابن ‏زياد، خصوصا و أنه کان شديد التحسس بأصله الوضيع و قصة والده زياد و سمية جدت التي فشت و شاعت، و قد سبق لنا الحديث عنها في هذا الکتاب.