بازگشت

عبدالله بن أبي حصين، المهرج


(ألا تنظر الي الماء كأنه كبد السماء)

و في مشهد آخر نري أن ابن زياد قد أمر ابن سعد أن يحول بين الحسين و أصحابه عليهم السلام و بين الماء فلا يذوقا منه قطرة، و قد استجاب ابن سعد لذلك فورا، و أرسل عمرو بن الحجاج علي خمسمائة فارس، فنزلوا الشريعة و حالوا بين الحسين و أصحابه عليهم السلام و بين الماء أو يسقوا قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاث.

و الي هنا يبدو الخبر عاديا، يماثل العديد من الأخبار العديدة التي روت لنا فصول المعركة و وقائعها، فعمر بن سعد و عمرو بن الحجاج، بما عفر عنهما من خوف و استجابة ذليلة خانعة لابن زياد، بادرا علي الفور بتنفيذ الأمر الصادر اليهما.

غير أن الذي يلفت النظر حقا هو قيام (عبدالله بن أبي حصين الأزدي) دون أن يكلفه أحد بذلك، و بمبادرة شخصية، (لفتة خاصة) منه بالصياح امام الجميع، موجها الخطاب الامام عليه السلام قائلا: (يا حسين، ألا تنظر الي الماء كأنه كبد السماء، و الله لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا..) [1] .

ما الذي دعا ابن أبي حصين لمنازلة الحسين عليه السلام و توجيه هذا الخطاب اليه، ان لم يكن لعرض صورة جديدة محسنة من صور الولاء الكوفي المتقلب المتلون لابن


زياد لكي يسر و يرضي عنه؟ و لم لم يقم ابن أبي حصين بمهمته بمنع الحسين و أصحابه عليهم السلام عن الماء صامتا كما فعل الباقون؟ أتراه وحده الذي أوتي بدائع الكلم و فصل الخطاب فأراد أن يجود ببيانه في تلك اللحظات؟ و كم بلغ الذل من مدي بهذه النفس التي لا تبصر طريقها و لا تعرف مصلحتها؟ أليس فعله هذا جديرا بأن يعذبه الله عليه في الدنيا و الآخرة؟ فمن هو حتي يبلغ هذا المبلغ من الحماس في توجيه الكلم البذي ء للامام؟.

و يدعو عليه الحسين عليه السلام، و هو يدعو هنا بشكل خاص علي أولئك الأجلاف الذين وقفوا بوجهه و قصدوه بالأذي دون أن يكلفهم بذلك.. (اللهم أقتله عطشا و لا تغفر له أبدا) [2] .

و يروي لنا حميد بن مسلم عن حاله بعد ذلك قائلا: (و الله لعدته بعد ذلك في مرضه، فو الله الذي لا اله الا هو، لقد رأيته يشرب حتي بغر، ثم يقي ء، ثم يعود فيشرب حتي يبغر فما يروي، فما زال ذلك دأبه حتي لفظ عصبه - يعني نفسه) [3] .


پاورقي

[1] الطبري 312 - 311 / 3 و مناقب ابن شهر آشوب 97 / 4 و الارشاد للمفيد ص 211 و أنساب الاشراف 180 / 3 و نهاية الأرب 428 / 20.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.