بازگشت

كثير بن عبدالله الشعبي حماقة و وقاحة


و في مشهد آخر نجد كثير بن عبدالله الشعبي، الذي ربما لم يكن علي درجة كبير من الوجاهة و لم يكن شريفا مقدما... غير أنه قد يكون كذلك و قد قربه ابن سعد، و لعل ابن زياد نفسه سيقربه، فهذا الرجل يظهر من فنون الولاء الشي ء الكثير.

كان كثير في جملة جيش ابن سعد، و قد بعثه هذا الي الحسين عليه السلام ليسأله


عن سبب مقدمه، و قد كان قد (.. عرض ذلك علي الرؤساء الذين كاتبوه، فكلهم أبي و كرهه...) [1] و ما عساهم يقولون له، و هم الذين كاتبوه و دعوه للقدوم عليهم...؟ لقد بقيت قطرة حياء واحدة و أخيرة فوق تلك الجباه الكالحة، جفت بعد ذلك و اختفت.. غير أن وجها واحدا قد اختفت منه تلك القطرة قبل ذلك و هو (كثير بن عبدالله الشعبي، و كان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شي ء، فقال: أنا أذهب اليه، و الله لئن شئت لا فتكن به، فقال له عمر بن سعد: ما أريد أن تفتك به، و لكن ائته فسله ما الذي جاء به) [2] .

أراد كثير أن يسجل موقفا شجاعا أمام سيده الذليل و أمام القادة الخانعين المستسلمين لابن زياد فلم يكتف بأن عرض ايصال الرسالة و حسب، بل عرض أن يقوم بقتل الحسين عليه السلام اذا ما رأي ابن سعد ذلك، و لعله تلفت حينها و نظر في وجوه الحاضرين محاولا مشاهدة نظرة اعجاب تطل من تلك الوجوه مبهورة بهذه الشجاعة الخارقة و الشهامة و البطولة النادرة المتميزة!!.

و ربما لم يشاهد سوي نظرات باهتة و وجوه صماء، ما عادت تصلح للتعبير عن أدني خلجات النفس، اللهم الا ما يساورها من قلق أو خوف.

و انطلق الي الحسين عليه السلام بكل ما حمله من وقاحة و استهتار، و قد منعه أبو ثمامة الصائدي أحد أنصار الحسين عليه السلام من الوصول اليه، و أمره أن يضع سيفه قبل الاقتراب من الامام، لأن أبا تمامة كان يعرف انه (شر أهل الأرض و أجرؤه علي دم و أفتكه..) [3] .

و قد أبي كثير أن يتخلي عن سيفه، و قذف بكلمات و قحة أمام أبي ثمامة و قال: (لا و الله و لا كرامة، انما أنا رسول، فان سمعتم مني، أبلغتكم ما أرسلت به اليكم، و ان أبيتم انصرفت عنكم) [4] ، كما رفض أن يأخذ أبوثمامة بقائم سيفه حتي يتكلم بحاجته، فرفض، و طلب منه بعد ذلك أن يحضره بما جاء به ليقوم هو بابلاغه الي


الحسين عليه السلام قائلا: (أخبرني ما جئت به، و أنا أبلغه عنك، و لا أدعك تدنو منه فانك فاجر. فاستبا، ثم انصرف الي عمر بن سعد فأخبره الخبر) [5] فارسل ابن سعد شخصا غيره.

و لعل كثير كان يحسب نفسه قد انتصر في جولة من جولاته البطولية و قام يفتخر بوقاحته أمام الآخرين، و ربما قام بتحريضهم علي قتل الامام و أصحابه عليهم السلام و كأنه كان يشارك يزيدا عرشه و يخاف الآخرين عليه.

لماذا قام كثير بذلك، و بأي دافع فعل ما فعله؟ و لماذا قام كثيرون من أمثاله بنفس ما قام به و اندفعوا الي الشر و الجريمة دون أن يكلفهم أحد بذلك أو يطالبهم به؟.


پاورقي

[1] الطبري 310 / 3 و النويري 427 / 20 و الارشاد ص 211 و أنساب الاشراف 177 / 3 و ابن الأثير 283 / 3 و مناقب ابن شهر آشوب 97 / 4.

[2] المصدر السابق.

[3] المصادر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق.