بازگشت

مسلم بن عمرو الباهلي و قلة الماء


ففي احداهما، نري مسلم بن عقيل، و قد أتي به الي قصر ابن زياد جريحا منهكا، بعد قتال عنيف خاضه ضد أعوان ابن زياد، و قد كاد قبل لية لا غير أن يغلب علي الكوفة و قد اختبأ منه ابن زياد و حاشيته و أشرافه في القصر، و كادوا يفرون أو يستسلمون لو لا موقف (الأشراف) المخذل.... و ها هم بعض هؤلاء الاشراف جلوس علي باب القصر ينتظرون الاذن بالدخول.. و ها هو ذا الشريف مسلم بن عمرو الباهلي جالسا علي الباب معهم، ينتظر الاذن بالدخول علي ابن زياد ليحظي منه بنظرة أو كلمة أو ابتسامة.

لم يكن خلاف مسلم بن عقيل معه شخصيا، و لم تكن بينهما خصومة أو منافسة أو حتي معرفة شخصية، و كان مسلم بسبيله الي انجاز مهمة جليلة مع امامه عليه السلام و أصحابه، ينقذون بها الأمة كلها، و ما كان أعداؤهم الا من تحيزوا للدولة الأموية الجائرة التي تسلطت علي رقاب المسلمين و مقدراتهم.

غير أن مسلم بن عمرو الباهلي، جعل من قضية مسلم قضيته الشخصية و جعل نفسه عدوا شخصيا له،و اعتبر قيامه بوجه الدولة الظالمة اهانة شخصية له و اعتبره أمرا يستهدفه بالأذي شخصيا، و هو ذلك المغمور الصغير الذي لا يكاد أحد يحس به و الذي لا يستطع حتي بلوغ مجلس ابن زياد الا بعد أن يجلي علي العتبة و يسمح له الحراس بالدخول ان شاء سيده ذلك، فهو لم يكن مرموقا الي الحد الذي يدخل فيه علي ابن زياد دون اذن.

و ها هو ذا بكل ذلك الغيظ الذي تحفل به نفسه، و قد رأي مسلم بن عقيل بتلك الحال و قد رأي (قلة باردة موضوعة علي الباب، فقال: اسقوني من هذا الماء، فقال له مسلم بن عمرو أتراها ما أبردها، لا و الله لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم) [1] .

انها باردة... و مع ذلك فلم يكن هو من وضعها علي باب القصر أو جلبها بنفسه
الي هناك، غير أنه انبري يقسم، و قد رأي حاجة مسلم للماء، و لعله كان يرتجف من الغيظ و السعال الخانق المحموم عندما فعل ذلك، و قذف بالكمات التي كادت تبدو لمن كان يسمعها في تلك اللحظة ان قائلها هو صاحب قضية عادلة بوجه انسان خارج عن الاسلام و عن الحق.

و ربما فوجي ء مسلم بن عقيل بهذا الأحمق الذي يتصدي له بهذه الصورة، فهل عساه أن استهدفه بأذي شخصي دون أن يشعر؟ ثم، من يكون هذا المندفع الحانق؟ و يسأله مسلم: (ويحك، من أنت،) [2] ...

و بكل ذلك الحنق المسعور الذي لابد أن يكون قد خنق صوته و بهر أنفاسه، أجابه الباهلي: (أنا من عرف الحق اذا نكرته، و نصح لامامه اذ غششته، و سمع أطاع اذ عصيته و خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي) [3] .

لقد عرفه بنفسه، و عرفه بمؤهلاته التي لم تزد عن كونها اعلان استعداده أنه خادم مطيع ناصح لامامه و معبوده و مثله الأعلي يزيد.

هل هذا كل شي ء؟ و هل تغلف قلبك بالقسوة و الفظاظة و ازدحمت نفسك بعوامل الانتقام،، و جلست تشتمني و تمنع عني الماء و أنا بهذه الحال، لأنك واليت يزيدا و استسلمت له و أبيت أنا أن أفعل ذلك، و قد أردت انقاذك و انقاذ أمثالك من هذا الضلال الكبير الذي تقادون اليه رغم أنوفكم؟.

قال له مسلم بن عقيل: (لامك الثكل، ما أجفاك، و ما أفظلك، و أقسي قلبك و أغلظك، أنت يابن باهلة أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني) [4] .


پاورقي

[1] الطبري 290 / 3 و الخوارزمي 1 / ف 11 و المجلسي 355 / 44 و الارشاد 197 و روضة الواعظين 176 و المسعودي 68 / 3 و النويري 402 / 20.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابقة.