بازگشت

في الشر، تساوي الأشراف و سائر الناس


لقد رأينا من قبل كيف انتهت مطاردة مسلم العاصفة لابن زياد، و اختفاء هذا الأخير في القصر مع مجموعة قليلة من أهله و خدمه و حاشيه، ثم كيف بدأ الأشراف عملهم، بتخذيل الناس و تخويفهم شر و سطوة الدولة الأموية و أهل الشام، و كيف بقي مسلم وحيدا بعد أن كان محاطا بعدة الآف من أعوانه و مناصريه.

لقد عمل الأشراف ما عملوه بطلب من ابن زياد و ايحاء منه، و خرجوا بعد ذلك الي قتال الحسين عليه السلام بطلب منه أيضا، و هو أمر قد يستطيعون تبريره بأنهم انما قاموا به استجابة لأوامر عليا لم يكن لهم مناص من الاستجابة لها لأنهم كانوا يخشون علي حياتهم و مستقبلهم و مصالحهم، غير أن الذي يدعونا للتأمل حقا هي تلك


الظاهرة التي رأينا من خلالها بعض أولئك (الأشراف) و غيرهم من سائر الناس المغمورين يندفعون لأعمال (تطوعية) و (مبادرات شخصية) لم يكلفوا بها، أرادوا أن يظهروا بها ولاءهم الاستثنائي المتميز لابن زياد أو سيده في الشام و حرصهم علي بقاء و ديمومة الحكم الأموي.

و كانت حفنة الهمج الرعاع التي لم تتقيد بمبدأ و عقيدة تقف مقابل الطليعة العقائدية المتقدمة مع الحسين عليه السلام و التي كانت تريد انتشال الأمة كلها من مصيبتها و من الوحل الذي مرغتها به دولة الظلم الأموية.

و كان معظم أولئك الهمج يحسبون أنهم يشاركون في حفل عابث لم يروا ضيرا أن يرتشفوا فيه من دماء أعدائهم المزعومين و يشاركوا برقصة الموت بأداء صاخب لا يقيم و زنا لأية قيمة عليا، و لا للحياة البشرية علي الاطلاق.

كان بعضهم يقتنص أرواح أناس أبرياء، مثل أطفال صغار رويت لنا قصص مروعة عن مقتلهم، بمثل السهولة التي يقدم فيها وحش علي اقتناص فريسة في غابة أو صحراء و كانوا يستمتعون بذلك بنفس القدر الذي يستمتع به ذلك الوحش المفترس.

لقد اختفت عند بعضهم الموازين العادية للقيم البشرية المجردة و المطلوبة كحد أدني لكي يدرك الانسان أنه انسان فعلا يستطيع مع الآخرين، حتي مع أقاربه و عياله و يستطيع أن يشعر بالقليل من مشاعر العطف و الغيرة و الشجاعة.

ان رصد تلك الحالات التي اندفع فيها أشخاص عديدون لمثل تلك الممارسات تحت مختلف التأثيرات و لمختلف الأسباب، يحتاج وحده الي دراسة خاصة يتصدي لها اختصاصيون في العلوم الاجتماعية و النفسية و التربوية و التاريخية لمعرفة أسبابها و دوافعها الحقيقة و أسباب تكرارها في ظل دول الظلم.

غير أننا سنستعرض في هذا الحيز المحدود الذي خصصناه لهذه الظاهرة الاجتماعية الشاذة، نماذج من أولئك الذين ساهموا بحملة الدم الهمجية بنصيب أو فر و حظ أعظم، و كان لهم (حضور واضح متميز) و (لمسات خاصة) و (مبادرات شخصية) جعلتهم يذكرون دون غيرهم و تسلط عليهم الأضواء كظواهر غريبة شاذة و علامات علي تدني ذلك المجتمع الذي أريد أن يبلغ أدني غايات الانحطاط.

و نكتفي باستعراض بعض اللقطات أو المشاهد التي قد تفيد في مثل هذه الدراسات الواسعة التي ألمحنا اليها.