بازگشت

خطط معاوية


(عبقري الشر) لقد نجح معاوية الي حد كبير في تشتيت الأمة الاسلامية و جعلها أحزابا و فرقا، ليضمن السيادة الكلية عليها في ظل نزاعاتها و تشر ذمها و خلافاتها العقائدية الموهومة و المفتعلة في أغلب الأحيان...


و قد أتاح له وجوده كرأس للدولة طيلة عشرين عاما، ثم مجي ء من تبنوا خطه في السياسة و التصور و الحكم، ان يوحي للأمة و خصوصا أهل الشام ان عليا هو الذي كان قد خرج عليها و سبب فرقتها و كون له شيعة خاصين به، لا يدينون بالولاء الا لشخصه المجردة و حسب، و لا حتي لشخص الرسول صلي الله عليه وآله وسلم نفسه.

ان الدعاية الأموية التي تمادت الي حد سب أميرالمؤمنين عليه السلام علي منابرها قرابة الف شهر و نفت عمصة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، علمت بشكل دؤوب و مركز علي تشويه قضية الاسلام من أساسها، و التأكيد علي الجانب الشخصي البحت و اللمسة الخاصة لكل خليفة و صلاحيته في اصدار التشريعات من مبدأ (الاجتهاد) غير المقيد، و امكانية التمادي في الانحراف و الابتعاد عن الاسلام، و اللجوء الي طرق (جديدة) مستحدثة في الحكم و الحياة و التشريع، بعيدة عنه، بل و لا تمت اليه بصلة.

كما رأينا من ايحاءات معاوية المتكررة، بأن من كانوا قبله أفضل منه، و أنه أفضل ممن سيأتي من بعده... و كأن الذي كان قبله لم يكن من المفروض أن يكون مقيدا بتشريعات اسلامية عامة تحفظ للأمة كيانها و تحدد تصرفات أفرادها علي مستوي القيادة أو الأفراد، و كأن من سيأتي بعد أولئك الأوائل لن يكونوا ملزمين بالتقييد بما كان ينبغي أن يتقيد به أولئك و يلتزموا، للحفاظ علي الأداء الصحيح المتكامل للدولة الاسلامية، ان أريد لها أن تظل اسلامية حقا.

و لا شك أن شعورا بالتراجع و الاحباط و الذل قد راود العراقيين بعد استشهاد أميرالمؤمنين عليه السلام و صلح الحسن عليه السلام، و لا شك أن مجموعات كبيرة منهم لم ترد أن تستسلم لهذا الشعور بشكل نهائي، فقامت بمراسلة الامام الحسين عليه السلام في عهد معاوية نفسه، كما ذكرنا، ثم عادوا فراسلوه ثانية بعد هلاك معاوية مباشرة، و دعوه الي قيادتهم للوقوف للوقوف بوجه الدولة الأموية الجائرة، ثم تخلوا عنه بفعل انحياز أشرافهم و وجهائهم الي صف الدولة الأموية و تمكنهم من رد الجماهير الغاضبة الي حظيرة هذه الدولة، و بفعل تهديدات ابن زياد و جواسيسه و شرطه و عرفائه و دراهمه، و بفعل بقاء و رواسب الضعف و الذل و عدم الشعور بالثقة في نفوس أهل الكوفة، مما مكنه من ترجيح الكفة الي جانبه.

فابن زياد لم يقدم علي مجتمع ثابت واثق من نفسه مصمم علي عزمه، و انما ورد علي مجتمع متردد متذبذب خائف متوزع، تعبث فيه التيارات و القوي المحلية


المتصارعة، و يشعر بقوة السيف الأموي المشرع فوق رأسه، و الذي قد يطيح به دون رحمة أو شفقة في أية لحظة.