بازگشت

اعذار المتخاذلين و تبريرات المتعدين


لقد حاول أولئك الذي تخلوا عن نصرة الحسين عليه السلام و أولئك الذين ذهبوا الي أبعد من ذلك و شاركوا في قتاله، ايجاد الأعذار التي من شأنها أن تجعلهم قادرين علي مواجهة الناس و الرأي العام و تبرئه ذممهم، و ما كانت تلك الأعذار لتنطلي علي من عرف حقيقة و أوضاع و ظروف ذلك المجتع الذي عاش في ظل نظام الظلم و الانحراف، و هي أعذار واهية لا يزال الكثيرون منا يعمدون اليها عندما ينسافون مع الظالم و يكونون اداة في يده و يزينون له أعماله و جرائمه، و قد يقولون بعد ذلك: اننا لم نرتكب جريمة قتل أحد بأنفسنا، و ان دورنا كنا ثانويا، و ربما لم نزد علي أن حرضنا الظالم علي ظلمه، فنحن نشكر الله علي أننا لم نقتل أحدا بأيدينا، و كأن فرعون في السابق كان يتقل الناس بيديه، و ان الملأ من حاشيته و أنصاره كانوا كلهم يمسكون السيوف و يقتلون الناس، و كأن الذي يرتكب جريمة يقوم هو بنفسه بامساك السكين و وضعها في عنق الضحية.

كانت حاشية فرعون تزين له أعماله و جرائمه و تحرضه علي ارتكابها، و مع ذلك فلم يذهب أحد الي تبرئتهم من الجرائم التي كانوا هم سببها المباشر و مصدرها الرئيسي.

و يبدي لنا حوار طريف جري بين أيوب بن مشرح الخواني، الذي شارك في جيش ابن سعد، و قتل فرس الحر و اضطره للوثوب عنه و القتال راجلا، و بين أبي الوداك أحد شيوخ أهل الكوفة، طرفا من الأعذار التي يلجأ اليها عبيد الطغاة علي مر الأزمان.

لقد ضمهما مجلس تذاكروا فيه واقعة الطف و دور بعض أهل الكوفة فيها، و قد (شكر الله) ابن مشرح علي أنه لم يقتل الحر و انما اكتفي بقتل فرسه، و عندما (قال له أشياخ من الحي): أنت قتلته، لا و الله ما أنا قتلته، و لكن قتله غيري، و ما أحب أني قتلته، فقال له أبو الوداك: و لم؟


قال: انه كان من الصالحين، فو الله لئن كان ذلك اثما، لأن القي الله باثم الجراحة و الموقف، أحب الي من أن ألقاه، باثم قتل أحد منهم) [1] .

لقد أراد اقناع نفسه بأنه لم يفعل شيئا سوي قيامه بقتل الفرس، و أنه ربما جرح شخصا ما، و أنه لم يفعل شيئا سوي الوقوف مع الجيش المتعتدي و حسب، و هو أمر كما يصوره لنفسه، أهن من قيامه بقتل أحد من أصحاب الحسين عليهم السلام كالحر.

و ربما كان يدري أنه بقيامه بجرح جماعة و عقر خيولهم، و تحريض آخرين علي القتل و تكثير أعداد الجيش المتعتدي، باعتباره فردا منه، و صموده أمام الحسين و أصحابه عليهم السلام، يلعب دورا له أهميته في المحصلة النهائية و هي قتل الحسين و أصحابه عليهم السلام كلهم، و بذلك فانه بتجاهله أنه أحد القتلة لا يستطيع اقناع أحد بأنه لم يلعب أي دور.

و الا، فان يزيد أو ابن زياد، أو ابن سعد ربما لم يقتلوا أحدا من أصحاب الحسين عليه السلام بأيديهم، و كذلك سرجون و وردان و الحاشية الملتفة حول يزيد، و انما اكتفوا باصدار الأوامر و التحريض علي القتل، و مع ذلك، فهل أعلن أحد براءتهم من الجريمة، و هل فكروا هم أنفسهم أبرياء؟ أم أنهم أطرقوا في النهاية خجلا بعد أن أدانتهم الأمة بأجمعها و حملوا و زر جريمتهم و راحوا تحت شعورهم بالذنب يلقي كل منهم المسؤولية علي الآخرين، كما المحنا الي ذلك، و كما سنفصله بعون الله عند الحديث عن نتائج الثورة، و لم يقل أي منهم أن الجريمة لم تكن جريمة.

قال أبو الوداك لابن مشرح: (ما أراك الا ستلقي الله بأثم قتلهم أجمعين، أرأيت لو أنك رميت ذا فعقرت ذا، و رميت آخر، و وقفت موقفا، و كررت عليهم، و حرضت أصحابك، و كثرت أصحابك، و حمل عليك فكرهت أن تفر، و فعل آخر من أصحابك كفعلك، و آخر، كان هذا و أصحابه يقتلون... انتم شركاء كلكم في دمائهم) [2] .

لقد نفي أبو الوداك ذلك المبرر الدائمي الذي يتذرع به الخانعون و الجانحون و السائرون في ركاب الظلم،، و شخص الأعذار التي يتعللون بها دائما و هم ينحنون أمام سادتهم و كبرائهم و أئمتهم و مثلهم العليا (المنخفضة) و يكون أداة بأيديهم.


ان لقطات عديدة يمكن أن يشار اليها، و يستفاد منها عند النظر في أحوال المجتمع العراقي بكل فئاته و طوائفه.. و هو موضوع جدير بدراسات أوسع و أعمق للوصول الي معرفة الأسباب الحقيقة الكامنة خلف الأحداث التي وقعت في تلك الفترة الدقيقة و ظلت تؤثر علي مجري تاريخنا الاسلامي الي يومنا هذا.



پاورقي

[1] نفس المصدر السابق 326 / 3.

[2] نفس المصدر 326 / 3.