بازگشت

راسلوه و التقحوا بالجيش الذي جند لقتاله


علي أن أكثر ما يثير انبتاهنا هو أن الجيش الذي استنفر لمقاتلة الحسين عليه السلام


ضم العديد من أولئك الذين راسلوه و أبدوا استعدادهم للوقوف خلفه بوجه الحكم الأموي المنحرف. لقد انحازوا في النهاية الي جانب فرعون، و دفعوا سيوفهم بوجه من جاء ليخلصهم منه و من جوره، و شاركوا بقتله و نهب متاعه و سلب نسائه و أطفاله.

و لم يتحرجوا أو يخجلوا من موقفهم الشائن و انقلابهم المخزي، و ذهبوا الي حد سب من دعاهم الي التراجع عن موقفهم و العودة الي نصر الحسين و التخلي عن ابن زياد و هو زهير بن القين، (اثنوا علي عبيدالله بن زياد، و دعوا له و قالوا: و الله لا ينبرح حتي نقتل صاحبك و من معه أو نبعث به و بأصحابه الي الأمير عبيدالله) [1] .

و قد حاول زهير تحذيرهم من أمثال شمر الذين يدفعونهم الي الحرب دفعا (عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي و أشباهه، فو الله لا تنال شفاعة محمد صلي الله عليه وآله وسلم قوما هرقوا دماء ذريته و أهل بيته، و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم) [2] .

و حيث لم ينفع نداؤه و لم تجد نصيحته أرسل الحسين عليه السلام اليه من يستدعيه فقال له: (ان أبا عبدالله يقول لك: أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و أبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الابلاغ) [3] .

كان الامام عليه السلام يعلم أن النصح و الابلاغ لن ينفع ما دام أهل الكوفة قد وصلوا حد استعدوا فيه لقتله بعد أن أبدوا استعدادهم لنصرته من قبل. لقد وقعوا في الفخ و لن يكون تراجعهم سهلا هذه المرة، و سيحتاجون الي شجاعة كبيرة كتلك التي تمتع بها الحر ليتركوا جيش ابن زياد و ينضموا الي أصحاب الحسين عليه السلام، و هو أمر لا يتاح في الأغلب الا لمن هم علي شاكلة الحر، و هؤلاء قليلون علي أي حال.

كما هو حال أهل الكوفة، فقد تخلي عن الحسين عليه السلام بعض من جاءوا معه و رافقوه، و كان ذلك متوقعا، لأنهم ظنوا أنه عليه السلام لن يلاقي أية متاعب أو صعوبات و أن الأمور ستكون هينة سهلة، و قد جعلهم الامام عليه السلام علي بينة من الأمر قبل أن يكملوا مسيرتهم الي الكوفة. اذ ربما لحقهم أذي لم يكونوا علي استعداد لتحمله كاستعداد أصحابه الآخرين. فعندما وصله بزبالة خبر مقتل مسلم قال لهم:


(أما بعد، فانه أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل و هاني ء بن عروة و عبدالله بن بقطر، و قد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منا ذمام.

فتفرق الناس عنه تفرقا، فأخذوا يمينا و شمالا حتي بقي في أصحابه الذين جاءوا معه الي المدينة، و انما فعل ذلك و نه ظن انما اتبعه الأعراب لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه الا و هم يعلمون علام يقدمون و قدم علم أنهم اذا بين لهم لم يصبحه الا من يريد مواساته و الموت معه) [4] .

و قد عزم هؤلاء فعلا علي المضي الي النهاية رغم أن الامام عليه السلام قد سمح لهم بالذهاب ان شاءوا و ذلك ليلة المعركة و بعد تيقن الجميع بأنهم سيقتلون لا محالة و قد خاطبهم قائلا: (فاني لا أعلم أصحابا أولي و لا خيرا من أصحابي، و لا أهل بيت ابر و لا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا خيرا، ألا و اني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا، الأواني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل، ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم، فاتخذوه جملا) [5] .

و لم يتركه أحد منهم، فقد كانوا مصممين منذ البداية علي المضي حتي النهاية التي كانوا يحتملونها جميعا و هي الاستشهاد، فالمهمة التي أخذوا علي عاتقهم القيام بها مهمة كبيرة تستهدف انتشال الأمة كلها و انقاذها من شباك الانحراف و سلاسله، و لن يتيح لهم فراعنة الأمة و طواغيتها المضي في مهمتهم، بل لابد و أن يسعوا لوضع نهاية مأساوية لهم تكون (عبرة) لكن من يريد التعرض لعروشهم بعد ذلك.

و هو أمر لا يقدر عليه الا من تمتع بأعلي قدر من الشعور بالمسؤولية يشعر معه أن مستقبل الأمة كلها قد يكون رهينا بتصرفه و صموده بوجه الارهاب و الانحراف و هو ما لم يحتمل وجوده لدي الاعراب الساعين و راء الغنائم و الفوائد، كما لم يحتمل وجوده لدي من أفرغوا من شعورهم بمسؤولياتهم الرسالية تجاه الأمة المظلومة، و قد حصروا هذه المسؤوليات بشؤونهم الشخصية و شؤون بيوتهم و عوائلهم.



پاورقي

[1] الطبري 320 / 3.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] الطبري 315 - 303 / 3 و قد ورد أيضا انه قال لهم: (هذا الليل قد غشيکم فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ کل رجل منکم بيد رجل من أهل بيتي، تفرقوا في سوادکم و مدائنکم حتي يفرج الله، فان القوم انما يطلبوني، و لو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري..) نفس المصدر 315 / 3 وقد رفض أهله و أصحابه ذلک و أصروا علي البقاء معه حتي النهاية.

[5] المصدر السابق.