نماذج أفرزتها دولة الظلم
لقد برزت أمامنا شخصيات الأشراف و رؤساه القبائل الهزيلة التي لم تكن سوي أدوات طيعة بيد الدولة لا ارادة لها و لا رأي، و قد سبق أن تعرضنا لبعض تلك الشخصيات في هذه الدراسة.
و تبرز أمامنا مقابل تلك الشخصيات شخصيات هزيلة أخري لأفراد عاديين، لم يكونوا ليذكروا لولا مواقفهم الملفتة للنظر و المتميزة عن مواقف الآخرين العادية.
و تطالعنا الشخصية الهزيلة لابن تلك المرأة العظيمة التي آوت مسلما، فذهب يشي به و يخبر عنه أسياده، و قد قيل أنه كان شريرا و كان يشرب مع أصحاب له. لقد جعل جل همه الوشاية بمسلم، و أمضي ليلة مسهدا قلقا يريد القيام بهذه المهمة رغم علمه أن أمه هي التي آوت مسلما و أنه يمكن بذلك أن يعرضها هي نفسها للخطر.
كما تطالعنا شخصية بكير بن حمدان الأحمري الذي ضربه مسلم و كاد يقتله، و قيامه بتنفيذ دور الجلاد عندما قام بقتل مسلم بأمر من ابن زياد.
و شخصية ابن حوزة الذي (جاء حتي وقف أمام الحسين، فقال: يا حسين يا حسين فقال الحسين: ما تشاء؟ قال: أبشر بالنار، قال: كلا، اني أقدم علي رب رحيم و شفيع مطاع، من هذا؟ قال له أصحابه: هذا ابن حوزه، قال: رب حزه الي النار، فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه، و تعلقت رجله بالركاب، و وقع رأسه في الأرض، و نفر الفرس، فأخذ يمر به فيضرب برأسه كل حجر و كل شجرة حتي مات) [1] .
و يطالعنا عمر الطهوي التميمي الذي رمي الحسين عليه السلام بسهم أصابه بين كتفيه، و مرة بن منقذ بن النعمان العبدي الذي طعن علي بن الحسين عليه السلام.
و عمرو بن صبيح الصدائي الذي رمي عبدالله بن مسلم بن عقيل بسهم (فوضع كفه علي جبهته، فأخذ لا يستطيع أن يحرك كفيه) [2] و الآخر الذي (انتحي له بسهم ففلق قلبه) [3] .
و عبدالله بن قطبة الطائي اذي قتل عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب. و عامر بن نهشل التميمي الذي قتل محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب.
و عثمان بن خالد الجهني و بشر بن سوط الهمداني اللذان قتلا عبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب.
و عبدالله بن عزرة الخثعمي الذي رمي جعفر بن عقيل فقتله.
و عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي الذي قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
رغم أنه غلام صغير و رغم أن أحد أصحابه حاول منعه من ذلك، و كثير بن عبدالله الشعبي الذي أبدي استعداده لقتل الأمام عليه السلام قبل نشوب المعركة اذا ما رغب ابن سعد في ذلك.
و مالك بن النسير البدي الذي ضرب الامام عليه السلام علي رأسه بالسيف و كان علي رأسه برنس، فقطع البرنس و أصاب السيف رأسه فادمي رأسه فامتلأ البرنس دما و رجل من بني سهم الذي ضرب طفلا صغيرا للامام عليه السلام بسهم فذبحه.
و عبدالله بن عقبة الغنوي الذي رمي أبابكر بن الحسين عليه السلام بسهم فقتله.
و هاني ء بن ثبت الحضرمي الذي قتل عبدالله بن علي عليه السلام و جعفر بن علي عليه السلام ثم قتل طفلا صغيرا فقطعه بالسيف.
و خولي بن يزيد الأصبحي الذي قتل عثمان بن علي عليه السلام بسهم و حمل رأس الحسين عليه السلام بعد أن جبن و لم يستطع قطعه، و قام بذلك سنان بن أنس.
و رجل من بني أبان بن دارم الذي حرض الناس لمنع الحسين عليه السلام من الوصول الي الفرات قائلا: (ويلكم، حولوا بينه و بين الماء لا تتام اليه شيعته) و ضرب
فرسه، و أتبعه الناس حتي حالوا بينه و بين الفرات، فقال الحسين: اللهم أظمه، و ينتزع الأباني بسهم فأثبته في حنك الحسين عليه السلام فانتزع الحسين السهم، ثم بسطه كفيه فامتلأت دما، ثم قال الحسين: اللهم اني أشكوا اليك ما يفعل بابن بنت نبيك، فو الله ان مكث الرجل الا يسيرا حتي صب الله عليه الظمأ، فجعل لا يروي) [4] .
و بحر بن كعب بن عبيدالله الذي أهوي الي الأمام بالسيف و قتل طفلا للامام الحسن عليه السلام استنكر فعلته.
و بحر بن كعب هو الذي سلب الحسين سراويله فتركه مجردا، و كان يدا بحر بعد ذلك تنضحان الماء في الشتاء و في الصيف تيبسان كأنهما عود [5] .
و ذرعة بن شريك التميمي الذي ضرب كف الأمام اليسري.
و قيس بن الأشعث الذي سلب الامام قطيفته.
و الأسود الذي سلب نعليه.
و الدارمي الذي سلب سيفه، و عبدالله بن أبي حصين الأزدي الذي قال للحسين عليه السلام: (لا تنظر الي الماء كأنه كبد السماء، و الله لا تذوق منه قطرة، حتي تموت عطشا).
و الناس الذين مالوا علي الورس و الحلل و الابل فانتهبوها.
و الناس الذي سلبوا ثقل الحسين عليه السلام و متاعه.
و العشرة الذين تطوعوا فأتوا فداسوا الحسين عليه السلام بخيولهم فرضوا ظهره و صدره، و محفز بن ثعلبة الذي جلب الرؤوس و السبابا الي الشام و شتم الحسين و أهله و أصحابه أمام يزيد.
ربما لم يكن لما سلبه من ذكرنا قيمة مادية، الا أنهم أرادوا أن يدللوا علي اشتراكهم بقتل الحسين عليه السلام، مما كان سيرضي قائدهم الذليل ابن سعد و سيده ابن زياد، و لعل طموحهم لم يتعد رغبتهم برضي ابن سعد عنهم رغم أن طموحه قد لا يتعدي طموحهم، و لعله لا يطمح الا بنظرة رضا ابن زياد و سيده يزيد.
تبرز عشرات الأمثلة و الصور لمثل هذه الشخصيات التي أرادت لفت النظر الي سلكوها و ممارساتها في ظل الطغيان، و ما كان أحد ليتلفت اليها لولا تلك الممارسات المنفرة الشاذة.
پاورقي
[1] الطبري 331 - 322 / 3 و راجع بقية المصادر الأخري.
[2] المصدر السابق.
[3] المصدر السابق.
[4] الطبري 333 - 332 / 3.
[5] المصدر السابق.