بازگشت

خلا المسجد من الثوار، فامتلأ بأعوان السلطة


و من العجيب أيضا، أن المسجد الذي هو خلا قبيل لحظات من أصحاب مسلم الثائرين الغاضبين، عاد فامتلأ ثانية بأمر من ابن زياد، و ربما كان بين من ملأوه بعض أولئك الأصحاب أنفسهم؛ فقد أصبح همهم الآن حماية أنفسهم و المحافظة علي بيوتهم و عوائلهم.

أمر ابن زياد مناديه فنادي: (ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة و العرفاء أو المناكب أو المقاتلة صلي العتمه الا في المسجد؛ فلم يكن له الا ساعة حتي امتلأ المسجد من الناس) [1] .

و كعادته، عندما استطاع التقاط أنفاسه بعدالموقف العسير الذي وجد فيه نفسه و خرج منه بأعجوبة اتاحها تردد أهل الكوفة و خوفهم الكبير من الوحوش الأموي الكاسر، أخذ ابن زياد يحث الناس علي الاخبار عن مسلم أو تسليمة للسلطة، و هدد مسؤولي الشرطة بالموت ان هو غفل عن مسلم و لم يعثر عليه، و طبيعي أن يكون تهديده لهذا الشرطي الكبير أثره البالغ علي من حضر اجتماع الحراس و نقاط التفتيش علي أفواه السككك، و هو أمر كان سيثير أكبر المخاوف في نفوسهم، اذ سيري كل واحد منهم أنه مستهدف شخصيا بهذا التفتيش، و قد يكون وراءه أمر آخر لم يشأ ابن زياد التصريح به أمامهم و ربما أصدر تعليماته الي شرطتها سرا.

(فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره، و من جاء به فله ديته.

الزموا طاعتكم و بيعتكم، و لا تجعلوا علي أنفسكم سبيلا.


يا حصين بن تميم، ثكلتك أمك ان صاح باب سكة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به، و قد سلطتك علي دور أهل الكوفة فابعث مراصدة علي أفواه السلك، و أصبح غدا و استبر الدور و جس خلالها حتي تأتيني بهذا الرجل) [2] .

لم يتأخر ابن زياد عن استغلال الموقف الذي كان يبدو أنه يسير لصالحه بما يشبه أن يكون ضربة حظ سعيدة، فاذا أتيح له خلال ساعات فقط أن يجرد عدوه من أنصاره و أعوانه، فأن الخطوة التالية كانت باتجاه فصل يتيج له التربص بالحسين عليه السلام و قتله أو اجباره علي الاستسلام، و هو الأمر الذي أعد له عدته منذ ذلك الحين.


پاورقي

[1] نفس المصدر ص 289 - 288.

[2] المصدر السابق.