بازگشت

تخلوا عنه فأضاعوا فرصتم الأخيرة


لماذا ستكون شريحة معينة من أهل الكوفة معنية بأمر ثورة الحسين عليه السلام لتلتف حول مسلم و تثور معه علي حاكم الكوفة، بينما تقف شرائح عديدة موقف للمتفرج؟.

ألا يكون من صالحهم في هذه الحال أن يتفرقوا عن مسلم؟ و كيف يتفرقون اذا لم يجدوا المبرر لهذا و اذا لم يجده لهم من يريد تفريقهم؟ و ما عسي أن يكون المبرر هذه المرة سوي اعادتهم للشكوك و الذكريات القديمة؟.

خصوصا و أن أشرافهم و كبراءهم قد أعلنوا تمسكهم بخط الدولة و دعوهم الي التخلي عن مسلم.

لقد وجد الثوار أنفسهم مع مواجهة حقيقية مع الناس الآخرين ممن لم يشتركوا معهم و مع الأشراف و الزعماء المنحازين الي الدولة أصلا و مع الدولة الغالبة القاهرة، و كان من مصلحتهم و هكذا رأوا أن يتراجعوا أمام أقل التهديدات و التحذيرات، فكيف اذا ما كثفت هذه التهديدات و التحذيرات و اشتركت بها مئات الأبواق المتمثلة بالأشراف و الناس البسطاء، الآخرين، حتي من قبل عوائلهم و نسائهم.

(ان المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف؛ الناس يكفونك و يجي ء الرجل الي ابنه أو أخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب و الشر، انصرف فيذهب به، فما زالوا يتفرقون و يتصدعون حتي أمسي ابن عقيل و ما معه الا ثلاثون نفرا في المسجد، حتي صليت المغرب، فما صلي مع ابن عقيل الا ثلاثون نفسا، فلما رأي أنه قد أمسي و ليس معه الا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة، و بلغ الأبواب و معه منهم عشرة، ثم خرج من الباب و اذا ليس معه انسان،


و التفت فاذا هو لا يحس أحدا يدله علي الطريق، و لا يدله علي منزل و لا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو) [1] .

و قد عرفنا بقية القصة، و كيف أسلم مسلم لابن زياد بعد أن وعد بالأمان، و كيف أخلف الوعد، و كيف وقف شامخا أمامه لم يهن و لم يتنازل أو يضعف حتي ساعة استشهاده.


پاورقي

[1] الطبري 288 / 3 و راجع بقية المصادر المذکورة في هذه الدراسة و قد وردت رواية أخري عن أصحاب مسلم و تفرقهم عنه و بقاء مجموعة قليلة قاتلت دونه.. (فلم يکونوا يمرون في طريق يمنا و لا شمالا الا و ذهبت منهم طائفة، الثلاثون و الأربعون و نحو ذلک.. فلما بلغ السوق، و هي ليلة مظلمة و دخلوا المسجد، قيل لابن زياد: و الله ما نري کثيرا أحدا، فأمر بسقف المسجد فقلع، ثم أمر بحرادي فيها النيران، فجعلوا ينظرون فاذا قريب خمسين رجلا، فنزل فصعد المنبر و قال للناس تميزوا ارباعا أرباعا، فانطلق کل قوم الي رأس ربعهم، فنهض اليهم قوم يقاتلونهم، فجرح مسلم جراحة ثقيلة، و قتل ناس من أصحاب، و انهزموا..) الطبري 229 / 3 و من مضمون الروايتين نجد أن معظم أصحاب مسلم قد تخلوا عنه بفعل تخذيل الأشراف و تأثيرهم علي عوام الناس و علي النساء خاصة، و قد کن قد نکبن من قبل بأزواجهن و اخوانهن.. و هکذا أتيح لهم ايجاد العذر المناسب لتخليهم عنه.. و هو عذر يتيح لهم التنصل من المسؤولية باعتبار أن غيرهم يکيفهم و أنهم مهما فعلوا لن يستطيعوا تغيير الواقع الفاسد و القضاء علي الحکام الظملمة.