بازگشت

قدوم الحسين، فرصة لن تتحقق ثانية


لقد رأي أهل الكوفة في ثورة الحسين عليه السلام ضد الانحراف الأموي المعلن، فرصتهم السانحة للالتحاق بالثوار، و طلبوا أن تكون الكوفة مركزا للثورة، و لعلهم لم يضعوا في حساباتهم رد الفعل العنيف الذي ستلقاهم به الدولة، و حسبوا أن الأمر مع يزيد سيكون أهون منه مع معاوية.

غير أن البطش الأوي لاح لهم ثانية، و بدا لهم أنهم سيصطلدمون بالصخرة الأموية الصلدة، و أنهم سيتحطمون اذا ما ساروا الي نهاية الشوط، و رأوا أن أول من تراجع و تخاذل ثانية، أشرافهم و رؤساؤهم، و لم يكن من المحتمل أن يصمدوا هم، و رؤساؤهم في صف عدوهم و الي جانبه، و قد تراجعوا بدورهم منهين سنوات الكفاح المرير في ظل أئمتهم الحقيقيين بعد أن تعبوا و سئموا و أصبح همهم ايجاد المبررات


لهذا التراجع، حتي ولو اقتضي الأمر التشكيك بحقيقة و دوافع أطراف النزاع، و اذ أنهم في مرحلة ما وطنوا أنفسهم فيها علي الوقوف موقف الحياد، فانهم بالتالي انساقوا للوقوف مع الطرف الآخر الذي ظلوا يحاربونه في ظل أميرالمؤمنين عليه السلام سنوات عديدة، و طالما أن اثارة الشكوك كان من مصلحتهم و كان سيتيح لهم القعود و التراخي و الاستسلام لحياة الهدوء و الدعة فانهم لم يروا مانعا من ذلك، و أصبح ذلك طابعا لهم طالما أنه يتيح لهم النجاة بجلودهم و الهرب من الكفاح المرير الذي بدأوه مع أميرالمؤمنين عليه السلام.

(العراقيون قدموا من التضحيات شيئا كثيرا، بذلوا أموالهم و نفوسهم و دماءهم في حروب ثلاثة، الاف من العراقيين ماتوا و قتلوا، عشرات من الأطفال يتموا، الاف من النساء، أصبحن أرامل، الاف من البيوت و العوائل تهدمت، كثير من المدن و القري غارت عليها جيوش معاوية، كثير من هذه المآسي و الويلات حلت بهؤلاء المسلمين نتيجة ماذا و لأجل ماذا لأجل أن يزداد مالهم؟ لا. لأجل أن يزداد جاههم؟ لا.

و انما لحساب الرسالة. لحساب الخط، لحساب المجتمع الاسلامي لأجل هذا الهدف الكبير. و هذا هدف أكبر، أعز من كل النفوس، و أعز من كل الدماء و أعز من الأموال.

لكن نحن يجب أن نقدر موقف هؤلاء الذين ضحوا و بذلوا و قدموا، ثم أصبحوا يشككون لأن من مصلحتهم أن يشككوا، و أصبح الامام يدفعهم فلا يندفعون، يحركهم فلا يتحركون. لماذا، لأن من مصلحتهم أن يعطوا للمعركة مفهوما جديدا، و هو أن القصة قصة زعامة علي أو معاوية، ما بالنا؟ علي و معاوية، اما أن يكون هذا زعيما و اما أن يكون ذاك زعيما، نحن نقف علي الحياد و نتفرج، فاما أن يتم الأمر لهذا أو لذاك. هذا التعبير بداياته، و هذا التفسير الذي أوحته مصلحة هؤلاء و هؤلاء، هو الذي كان يشكل عقبة دون أن يتحركوا، دون أن يتحرك هؤلاء من جديد الي خط الجهاد) [1] بل انهم تحركوا ليكونوا في خط أعداء الاسلام بعد أن سيطر هؤلاء علي الموقف، مبررين موقفهم الجديد بالمبررات و الشكوك القديمة.


و ما حصل في ظل معاوية و عهده، حصل في عهد يزيد، و جدوا أنفسهم أمام مواجهة حقيقية و أمام حاكم حازم لا يتورع عن اللجوء الي الأساليب التي لجأ اليها أبوه من قبل، و كان عبيدالله يمثل خلاصة القوة الأموية و قد رمتهم به في هذا الموقف الدقيق، و ربما عاد الي أذهانهم ما لقوه هم و عوائلهم من الحكم الأموي و من زياد خاصة كانت خلاصة سعيهم و جهادهم تغلب أعدائهم عليهم حتي أصبحوا سادتهم، فهل سيرد الجهاد الجديد مع الحسين عليه السلام هؤلاء الأعداء؟ و هل يستطيعون الآن تحقيق ما عجزوا عنه من قبل؟.


پاورقي

[1] أهل البيت - تنوع أدوار و وحدة هدف - الشهيد الصدر 112 - 111.