بازگشت

مع الدولة، لا تراجع


كان (الأشراف) مع ابن زياد قلبا و قالبا، و كان هؤلاء الورقة الرابحة التي طالما تلجأ الدولة الي استخدامها منذ عهد معاوية بكل مهارة و فن جديرين بعبقري الشر و خلفائه و رجاله، و قد استطاعت بواسطتهم تطويع سائر الناس و اخضاعهم و ربطهم الي العجلة الأموية لتنفيذ كل مخططاتها و مشاريعها و تحقيق كل طموحاتها التي تقاطعت مع الاسلام منذ البداية.

و كما سبق و أشرنا في هذا الفصل، فقد كان الأشراف يرون في استمرار الحكم الأموي، استمرار لدوام حالة (الشرفية) التي يتمتعون بها، و استمرارا لبقائهم ثابتين علي رأس البناء الهرمي للمجتع مقربين من السلطة العليا، و متمتعين بالامتيازات و الأموال التي غالبا ما تجود بها عليهم؛ مما يتيح لهم تعزيز حالة الاستقرار و الثبات لأوضاعهم و التمهيد لتحقيق مكاسب و أرباح مرتقبة في المستقبل.

و هذا هو الأمر الأول الأساس اذي يمنع الأشراف و الملأ المتحلقين و المحيطين بكل الفراعنة و الطواغيت علي مر العصور من قبول التغيير حتي و ان كان موحي و موصي به من السماء؛ و حمله الي الناس الأنبياء و المرسلون، و هو أمر طالما تعرض له القرآن الكريم و أشار اليه اشارات عديدة في معرض استعراض الواقع التاريخي الذي أحاط بالرسل، و وضعه أمام أعيننا لنعتبر به، و لكي لا تتكرر ممارسات الأشراف و الملأ الخاطئة اذا ما ظهر مجددا و أحاطوا بطاغوت جديد، أن تعريف


القرآن الكريم بهؤلاء يتيح لنا تجنب سيطرتهم و نموهم و انتشارهم علي حساب المجتمع الاسلامي كما يتيح لنا رصد تصرفاتهم و سلوكهم و منع كل ما شأنه تدمير حياتنا الاسلامية.

و كان (أشراف الكوفة) هو الرصيد الكبير والوحيد المتبقي لابن زياد، و كان عليه أن يستخدمهم الآن بكامل طاقتهم و استنفادهم جميعا دون استثناء ما دام يخوض غمار ذلك اسباق السريع مع مسلم ليتحدد علي ضوئه مستقبله و حياته و ربما مستقبل و حياة دولته كلها، فلربما كانت نتيجة مساعيهم الموحدة و المنظمة، و اذا ما القوا بثقلهم الاجتماعي مرة واحدة و استخدموه لصالحه قد أتت بثمارها لصالحه و صالح دولته التي تتعرض لمخاطر حقيقية جاده، و لربما أثروا علي الناس، و هم غالبا من قبائلهم و أهليهم و ذويهم، و لربما نجحوا في منعهم من الاستمرار بهذه الثورة التي أعلنت قبل الأوان، و قبل اكمال الاستعدادات اللازمة لها، و كل ذلك نتيجة القبض علي هاني ء و ضربه و سجنه.