بازگشت

سباق لحسم الموقف


كان الأمر يقتضي حسما سريعا من قبل الثوار و ان لا يعيروا أذانهم بعد ذلك للأشراف الذين التقطوا أنفاسهم، فقاموا بحملة محمومة لتخذيلهم عن مسلم.

و لعل الثوار لم يبدوا قدرا من الانضباط و روح الحزم التي تميز بها عدوهم، و حسبوا أنهم بمجرد أن يصلوا الي باب القصر فان عدوهم سينهزم أو يفتح لهم باب القصر، و لعل غاية بعضهم لم تكن الا انقاذ هاني ء و حسب استجابة لحمية قبلية أو لصرخات النساء الباكيات، و لعلهم قد تنازعوا حول السبب الذي قدموا من أجله لمحاصرة القصر. غير أنهم من المؤكد لم يعطوا الفرصة الكاملة لمسلم لانجاز خططه و القضاء علي عدوه، و اكتفي معظمهم بالتكبير و الصياح و حتي في ذلك الموقف ربما أعد الكثيرون منهم خطا سريعة للتراجع و ترك مسلم.

كان السباق محموما بين الأشراف و عموم الناس.

و لم يكن الموقف في الأغلب الأعم و علي الدوام في سباق كهذا الي جانب عموم الناس، الذين ربما فقدوا الهدف المشترك الذي يوحدهم، بينما يجد الأشراف مثل ذلك الهدف دائما، و لعل مصلحته المشتركة في ظل دولة الظلم يبرز أمامهم علي أنه هو الهدف الأول مع أنهم لا يعترفون بذلك أحيانا و يبررون وقوفهم ضد الناس بنفس المبررات التي ترفعها دولة الظلم و هي مبررات معروفة مكشوفة.

لم يكن الموقف الي هذه اللحظة الي جانب ابن زياد، و قد بات الخطر قريبا منه الي درجة لم يجد معها بدا من الهرب أمام المد الجماهيري الذي وصل المسجد و أحاط به و بالقصر و قد هرب الي داخله، و قد جاء مسلم، قائد الثورة بنفسه ليخلص هاني ء أولا و لعله قد يفكر بالقضاء عليه و قتله اذا ما أبدي مقاومة مسلحة و هو ما عرضه عليه بعض أتباعه و رفضه.

و لو أنه قام بتسليم هاني ء في لحظة الضعف هذه، لربما عد ذلك استسلاما سريعا من قبله، و لربما طمعت الجماهير الغاضبة بأكثر من تسليم هاني ء اليهم و حاولت قتله، و ربما قام هاني ء نفسه، و هو الذي عرفت صلابته و شجاعته رغم أنه


كان أعزل وحيدا مقابله، بدور المحرض الرئيسي لهذه الجماهير خصوصا و أنه قد أهانه و ضربه ضربا مبرحا لا زالت آثاره تبدو علي وجهه.

و ربما كان ابن زياد بني نارين، نار الاستسلام للجماهير الغاضبة التي أتت تطالب بهاني ء و ربما طالبت بأكثر من ذلك، و نار الصمود أمامها، فكلتاهما تشكلان خطرا محققا له، و ربما لو كان كل أبدي أدني بادرة للصلح أو تسليم هاني ء، لعاد الأمر و بالا محققا عليه في النهاية و لكان قد وضع نفسه في مأزق خطير قد لا يستطيع تخليص نفسه منه.

ان الجماهير المظلومة، لا تستطيع أن تري جلادها مستسلما خانعا دون أن يشجعها ذلك علي الاقتصاص منه، حتي و ان أبدي استعداده للتوبة أو التراجع، ان صورته لا تكتمل في ذهنها الا و معه سيفه و سوطه و عصاه.