بازگشت

تجمع النساء


أثار الرجال اعلان الثورة قبل موعدها

هل استدراج ابن زياد الثوار بسجن (هاني ء)؟

لقد بدأ التجمع الكبير المناهض لابن زياد بتجمع نسوي ساخط حزين من مراد يشجب ما فعله ابن زياد بهاني ء (و اذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين: يا عثرتاه، يا ثكلاه) [1] .

و قد أثارت هذا النداءات النسوية الغاضبة أهل الكوفة و أصحاب مسلم علي وجه الخصوص الذين بايعوه، و ربما أعلن مسلم ثورته قبل الموعد المحدد لهذا السبب، و ربما كان ذلك هو الأمر الوحيد الذي يستطيع القيام به؛ اذ كيف يتقاعس عن نصرة أكثر أصحابه نصرة له و يتركه بيد الطاغية، بينما ثارت الجماهير غاضبة لهذا الأمر، و لعلها لم تتح له الفرصة للقيام بعمل من شأنه انجاح مساعيه لاتمام البيعة للامام الحسين عليه السلام وفق الخطبة التي لابد أن يكون قد وضعها لهذا الغرض.

لم يكن أمر اعتقال هاني ء و ضربه مما يمكن السكوت عنه، رغم أن رد الفعل الغاضب يمكن أن يتلاشي بمجرد أن تلوح الدولة بعصاها الغليظة التي طالما لوحت بها من قبل و استعملتها، و بمجرد أن يقوم أعوانها من الأشراف و غيرهم بتخذيل الناس و تخويفهم من المخاطر المحتملة من هذه الثورة، و هو ما فعلوه بالضبط بعد ذلك و نجحوا فيه.

كانت الكوفة تحتاج الي حصانة ضد هذه المخاوف و ربما كانت تحتاج الي عدة أيام اضافية لاستكمال هذه الحصانة و استكمال الاستعدادات النفسية و العسكرية لكي تكون قادرة علي مواجهة دولة الظلم بصلابة و قوة، الا أن حادث القبض علي هاني ء بعد استدراجه لم يتح الفرصة لهذا العمل.

و لعل ابن زياد بالقائه القبض علي هاني ء، و هو أحد أقطاب الثوار الرئيسيين في الكوفة، اراد أن يفوت الفرصة علي مسلم لاستكمال استعداداته، خصوصا و أن أمره لم يكن مكشوفا، و لم يستطع ابن زياد سوي دس أحد أعوانه لمراقبة تحرك الثوار، و حتي هذا الحين لم يستطع كشف حجم الثوار و تنظيماتهم و لم يبلغ ال عن هاني ء و حسب.


لقد أراد ابن زياد استفزاز الثوار ليظهروا قوتهم بل الأوان و قبل أن يكملوا استعدادتهم لمواجهته لتتاح له فرصة افشال الثورة و القضاء عليها قضاء تاما.

و قد أراد مسلم معرفة الموقف في (القصر) و حقيقة وضع هاني ء و أعد خطة، حربية سريعة لمواجهة ابن زياد و محاصرته، بعد نداء نسوة مراد.

و يقول رسوله للقصر لاستطلاع ما صار اليه أمر هاني ء (فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ منهم الدور حوله، و قد بايعه ثمانية عشر الفا، و في الدور أربعة آلاف رجل، فقال لي: ناد: يا منصور أمت؛ فناديت: يا منصور أمت؛ و تنادي أهل الكوفة فاجتمعوا اليه، فعقد مسلم لعبيدالله بن عمرو بن عزيز الكندي علي ربع كندة و ربيعة، و قال سر أمامي في الخيل، ثم عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي علي ربع مذحج و أسد، و قال: أنزل في الرجال فأنت عليهم، و عقد لأبي ثمامة الصائدي علي ربع تميم و همدان، و عقد لعباس بن جعدة الجدلي علي ربع المدينة، ثم أقبل نحو القصر، فلما بغ ابن زياد اقباله تحرز في القصر و غلق الأبواب) [2] .

و يربي عباس الجدلي، أحد القادة الأربعة، قال: (خرجنا مع ابن عقيل أربعة آلاف، فلما بلغنا القصر الا و نحن ثلثمائة؛ و أقبل مسلم يسير في الناس من مراد حتي أحاط بالقصر، ثم أن الناس تداعوا الينا و اجتمعوا، فو الله ما لبثنا الا قليلا حتي امتلأ المسجد من الناس و السوق، و ما زالوا يثوبون حتي المساء، فضاق بعبيدالله ذرعه، و كان كبر أمره أن يتمسك بباب القصر، و ليس معه ثلاثون رجلا من الشرط عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و مواليه، و أقبل أشرف ابن زياد يشرفون عليهم، فينظرون اليهم فيتقون أن يرموهم بالحجارة و ان يشتموهم و هم لا يفترون علي عبيدالله و علي أبيه) [3] .

كانت تلك اذا ثورة شعبية كبيرة، و اذ تراجع معظم الثوار خلال مسيرهم للقصر، متوقعين عواقب سيئة من ذلك المسير السريع، فانهم سرعان ما تداعوا الي أصحابهم و اجتمعوا حتي ملأوا و المسجد و السوق، و لنا أن نتصور حجم الجماهير التي ملأت مساحة هذين المكانين الكبيرين. مقابل خمسين شخصا كانوا مع ابن زياد، هربوا منهم و تحصنا بالقصر.


كان عمل ابن زياد و أشرافه أسرع من عمل الثوار، و قد تسلل الله بعضهم رغم المخاطر التي كان يمكن أن يتعرضوا لها، و أشرف بعضهم علي الثوار رغم المخاطر المحتملة أيضا.


پاورقي

[1] الطبري 286 / 3.

[2] الطبري 287 - 286 / 3 و تراجع بقية المصادر.

[3] نفس المصدر السابق 287 / 3 و راجع بقية المصادر الأخري المذکورة في هذه الدراسة.