بازگشت

الكوفة تجربة مريرة


مع دولة الظلم كانت تجربة الكوفة مع دولة الظلم الأموية تجربة مريرة، و قد شهدت في عهد زياد تخلي أبنائها عن حجر بن عدي عندما عمل زياد بخطة ذكية ماكرة حاول فيها التفريق بين الأشراف و عموم الناس الذين آزروا حجرا و التفوا حوله، و لعل التفاتة زياد هذه في التفريق اعتمدت فيما بعد من كل دول الانحراف للسيطرة علي الناس.

(وثب زياد باشراف أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة، أتشجون بيد و تأسون بأخري، أبدانكم معي و أهواؤكم مع حجر؛ أنتم معي و أخوانكم و أبناؤكم و عشائركم مع حجر، هذا و الله من دحسكم و غشكم، و الله لتظهرن لي براءتكم أو لأتينكم بقوم اقيم بهم أودكم و صعركم.

فوثبوا الي زياد فقالوا: معاذ الله سبحانه أن يكون لنا فيما هاهنا رأي الا طاعتك و طاعة أميرالمؤمنين، و كل ما ظننا أن فيه رضاك، و ما يستبين به طاعتنا و خلافنا لحجر فمدنا به.

قال: فليقم كل امري ء منكم الي هذا الجماعة حول حجر، فليدع كل رجل منكم أخاه و ابنه و ذا قرابته و من يعطيه من عشيرته، حتي تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه.

ففعلوا ذلك فأقاموا جل من كان مع حجر بن عدي) [1] .

لقد نجح زياد بمهمته الخبيثة، و فرق الناس عن حجر و استطاع القبض عليه مع جماعة من أصحابه و أرسلهم الي معاوية ليقتلهم.

و لقد لفت منظر غريب من قوم حجر نظره، و أسف علي ضياعهم و تخاذلهم أشد من أسفه علي نفسه و هو يساق للموت (انصرف، فمر بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية).


فقال: انه لما يعدل عندي اخطر ما أنا فيه هلاك قومي حيث لا ينصرونني، و كان رجاءه أن يتخلصوه) [2] .

و حاول عبيدالله بن الحر الجعفي استنقاذه من بين يدي أعوان زياد فقال: (ألا عشرة رهط استنقذ بهم هؤلاء، لا خمسة...؟

فجعل يتلهف، قال: فلم يجبني أحد من الناس) [3] .

كانت قلوبهم مع حجر، و قد دعوا الله لا بالعافية، و هو موقف تكرر مع الحسين عليه السلام بعد ذلك، اذ وقفت جماعة تدعو له و لم تقم بأية خطوة للدفاع عنه، بل لعل أحدا من أفرادها لم تحدثه نفسه بذلك. [4] .

أدرك حجر أن قومه ميتون و قد استسلموا ذلك الاستسلام المهين لزياد كان بامكانهم تخليصه منه، و كان بخمسة منهم - بنظر ابن الحر - يكفون لاداء هذه المهمة، الا أنهم انهزموا و خافوا و لم يقدموا علي انقاذه رغم محبتهم له و ادراكهم لعدالة موقفه.


پاورقي

[1] الطبري 221 - 220 / 3 و راجع المصادر السابقة الأخري.

[2] نفس المصدر السابق 229 - 227 / 3 و راجع المصادر السابقة الأخري.

[3] المصدر السابق.

[4] عن سعد بن عبيد قال: (ان شيوخا من أهل الکوفة وقفوا علي التل يبکون و يقولون: اللهم أنزل نصرک. قال: قلت: يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه) الطبري 300 / 3.