بازگشت

مظاهرة عمرو بن الحجاج


مهزلة مضحكة و لم يكن عبيدالله ليجرؤ علي ضرب هاني ء بن عروة و احتجازه لو كان يعلم أن لأهل الكوفة موقفا موحدا، أو أن لقبيلة هاني ء نفسها (مذحج) ذلك الموقف الوحد فعندما فعل نهاني ء ما فعل و عندما (ضرب وجهه، حتي كسر أنفه و جبينه، و أمر فألقي في بيت صيح المذحجيون، و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل، فأقبل مذحج حتي أحاط بالقصر و معه جمع عظيم، ثم نادي: أنا عمرو بن الحجاج، هذه فرسان مذحج و وجوهها، لم نخلع طاعة، و لم نفارق جماعة، و قد بلغهم أن صاحبهم يقتل، فاعظموا ذلك.. فقيل لعبيدالله: هذه مذحج بالباب، فقال لشريع القاضي: أدخل علي صاحبهم فانظر اليه، ثم أخرج فأعلمهم أنه حي لم يقتل، و أنك قد رأيته، فدخل اليه شريح فنظر اليه، [ثم خرج] فقال لهم: ما هذه الرعه السيئة، الرجل حي، و قد عاتبه سلطانه بضرب لم يبلغ نفسه، فانصرفوا، و لا تحلوا بأنفسكم و لا بصاحبكم.

[و كان هاني ء قد قال له عند دخوله عليه]: يا لله يا للمسلمين، اهلكت أهلي و عشيرتي فأين أهل الدين، و أين أهل المصر، تفاقدوا، يخلوني، و عدوهم و ابن عدوهم، و الدماء تسيل علي لحيته، اذ سمع الرجة علي باب القصر، و قال: يا شريح، اني لأظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين، ان دخل علي عشرة نفر أنقذوني) [1] .


و عندما أخبر شريح جموع مذحج التي كانت تحاصر القصر أن هائنا كان حيا، و أن أميره لم يفعل شيئا سوي أن ضربه ضربا لم يصل به الي حد الهلاك، (قال عمرو و أصحابه: فأما اذ لم يقتل فالحمدالله، ثم انصرفوا) [2] .

أكان لأمري ء أن يصدق مهزلة مذحج هذه و يهضمها بسهولة؟ كان هاني ء من الأشراف و قومه و زعمائهم و مذحج يبلغ تعداد مقاتليها ألوف البشر المسلمين الأقوياء، و اذا ما علمنا أنهم ثاروا لهاني ء و ساروا لاستنقاذه من ابن زياد عجبنا من عودتهم و اقتناعهم ببقاء هاني ء حيا مع أنه لا يزال بيد عبيدالله. لقد ضرب عبيدالله ضربا مبرحا - مع أنه لم يصل به الي حد الهلاك - و في ذلك اهانة للقبيلة كلها و مس بكرامتها، ثم سجنه و ابقاءه لديه و لم يكلف نفسه الا ارسال شاهد واحد هو شريح، الذي زجرهم بدوره فانصرفوا بالبساطة التي ينصرف بها ذليل عندما يأمرهم سيده بذلك.

و ربما كان موقف زعيمهم و الناطق باسمهم عمرو بن الحجاج المتخاذل، و الذي تحدث كأنما يتحدث عن أناس غرباء لا علاقة لهم به علي الاطلاق، قد جعلهم يتخاذلون أيضا و ينهزمون من أمام القصر لقد أعلن عمرو بن الحجاج أنه و قومه لم يخلعوا طاعة و لم يفارقوا جماعة و انما كانوا موالين للدولة و علي استعداد لخدمتها، ثم أعلن و كأن الأمر لا يعنيه أن (صاحبهم - و يقصد به هاني ء - يقتل؛ و لم يقل أنه صاحبه و قريبه و قال أنهم قد أعظموا ذلك و لم يقل: أني أعظمت ذلك و استنكرته أيضا لقد عزل نفسه عنهم و لم يعرض قضية واضحة، لم يقل: أخرجوا الينا هانئا نذهب به الي أهله، و لم يستنكر ضربه أو سجنه و ابقاءه لدي ابن زياد، و انما طلب كلمة تفيد أنه لا يزال حيا، و عندما قيل له أن هاني ء لا يزال به رمق من الحياة قنع بذلك و لعله فرح اذ لن يكون عندئذ محرجا أمام قومه و سارع بالقول: فأما اذ لم يقتل فالحمد لله، و لعلهم عند ذلك سارعوا بترديد كلماته عندما لم يروه مهتما بقضية هاني ء الاهتمام الذي يستحق.

فهل يتصرف عوام الناس عكس تصرف أسيادهم؟ و هل سيطالبون بما عجز هؤلاء عن المطالبة به؟ و هل يصرون علي مواقف تنازل عنها هؤلاء؟


لقد كان هاني ء يتصور أن عشيرته سنتصره و تمنعه من ابن زياد اذا ما استهدفه بالأذي و الشر، و قد قال له عندما هدده بالقتل (اذا تكثر البارقة حول دارك، و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه) [3] ، و ذهب الي أبعد من ذلك الي حد تقديم الأمان لابن زياد و هو يحسب أن موقف أهل الكوفة و قومه علي وجه الخصوص سيظل ثابتا و أنهم سيستمرون في نصرته و نصرة مسلم، فعندما علم هاني ء ان ابن زياد كان يلعم بحركته المناوئة للسلطة مع مسلم قال له: (قد كان الذي بلغك، و لن أضيع يدك عني، فأنت آمن و أهلك فسر حيث شئت) [4] .

و قد ظن عبيدالله نفسه ما ظنه هاني ء، و أعتقد أن مسلم قد سيطر علي جماهير الكوفة، و أنه سيفشل بمهمته، و ربما فرح عند ذاك بنجاته و خروجه سالما و قنع من الغنيمة بالاياب، لو لا أن شجعه مهران مولاه و حثه علي الجلد و المقاومة.


پاورقي

[1] نفس المصدر السابق 286 / 3 و راجع المصادر السابقة الأخري. و الکلمات الموضوعة بين العلامات [فصل] زيادة مني اقتضاها سياق الکلام.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق 285 / 3 و راجع بقية المصادر الأخري.

[4] المصدر السابق.