بازگشت

شروط الحسين


فقد كان شروطه واضحا اذا للقدوم عليهم، و كان يحذرهم في هذه الرسالة من عدم الايفاء بوعودهم، ربما بتأثير من الملأ و ذوي الفضل و الحجي منهم الذين


سيكونون أول الناكثين و المترددين، و الذين قد يؤثرون بمواقفهم تلك علي سائر الناس و العوام منهم بوجه الخصوص و يجعلونهم يتراجعون مثلهم و يتبنون مواقفهم المتخاذلة المستسلمة، و قد حدث ذلك فعلا، و كان أول من تراجع عن مسلم هم الملأ من ذوي الفضل و الحجي و الشرف في البداية و تجمعوا حول ابن زياد و شنوا حربهم علي مسلم من هناك و حرضوا الناس عليه و شجوعهم علي التخلي عنه.

و عندما دخل مسلم الكوفة، نزل دار المختار الثقفي و اجتمعت اليه جماعة من أهلها، أخذوا يبكون عندما قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام، و هو موقف عاطفي يدل علي انسجامهم مع القضية التي يرفعها عليه السلام و انحيازهم اليها بشكل كلي، و هذا ما بدا في الظاهر، و هو الأمر الذي لم يطمئن اليه عابس بن أبي شبيب الشاكري الذي استشهد مع الحسين عليه السلام بعد ذلك و سجل موقفا بطوليا عظيما مع الحسين عليه السلام و أصحابه اذ خاطب مسلم قائلا: (فاني لا أخبرك عن الناس، و لا أعلم ما في أنفسهم، و ما أغرك منهم، و الله لأحدثنك عما أنا موطن نفسي عليه، و الله لأجيبنكم اذا دعوتم، و لأقاتلن عدوكم، و لأضربن بسيفي دونكم حتي ألقي الله، لا أريد بذلك الا ما عند الله) [1] .

كان عابس يعرف نفسه حق المعرفة و يدرك الي أي حد يمكن أن يذهب في نصرة الحسين عليه السلام، و لم يشأ أن يتعهد بالنيابة عن قومه بتقديم الضمانات لمسلم بأنهم سيسرون خلفه الي النهاية، فهذا أمر يبدو أنه لم يطمئن اليه تمام الاطمئنان، و قد امتلك قدرا كافيا من الشجاعة ليصارح مسلم بذلك أمام أولئك الباكين المتعاطفين الذين ربما لم يوطنوا أنفسهم علي ما وطن نفسه عليه.

و يبدو أن كلماته قد لقيت صدي حسنا لدي حبيب بن مظاهر الاسدي، الذي أيده، و قد لمس وترا حساسا من نفسه قائلا: (رحمك الله، قد قضيت ما في نفسك، بواجز من قولك، ثم قال: و أنا و الله الذي لا اله الا هو علي مثل ما هذا عليه) [2] و قد استشهد هو الآخر مع الحسين عليه السلام بعد مواقف بطولية في المعركة، و قد قال غيرهما مقالتيهما.

غير أن كوفيا أبي في تلك اللحظة أن يعطي الضمانات اللازمة حتي علي نفسه،


و كان أحري به ألا يكون مع الجماعة التي اجتمعت الي مسلم. كان يدرك أنه سيضعف في النهاية اذا ما جوبه بالبطش الأموي الأحمر.

و مع أن محمد بن بشر و هو من نتكلم عنه هنا - يتمني في قرارة نفسه أن يعز الله أصحاب بالظفر علي حد قوله - الا أنه لم يعلن عن استعداده للمساهمة بتحقيق هذا الظفر، كان يري تحقيقه من قبل غيره أما هو فقد كان يخاف الموت، و هذا ما صرح به أمام الجمع المحتفل لمسلم، (ان كنت لأحب أن يعز الله أصحابي بالظفر، و ما كنت لأحب أن أقتل، و كرهت أن أكذب) [3] .

لقد تراجع ابن بشر منذ البداية، و أعلن عن ضعفه و عدم قدرته علي الاستمرار في تأييد مسلم و أصحابه؛ هذا اذا كان قد أيدهم بالمرة.


پاورقي

[1] الطبري 279 / 3 و راجع بقية المصادر السابقة.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق 279 / 3 و راجع بقية المصادر الأخري.