بازگشت

حماس الرسائل و حماس الموقف العملي


و قد كتبوا اليه في البداية يعلمونه (أنه معك مائة ألف..) [1] .

و مع ذلك فقد كان سليمان بن صرد زعيم ثورة التوابين فيما بعد يتخوف من انقلابهم عليه أو تخليهم عنه علي أقل تقدير، رغم الحماس الذي أبدوه لنصرته و الوقوف الي جانبه... و قد حذرهم من ذكل و دعاهم الي التيقن من موقفهم قبل الكتابة الي الحسين عليه السلام، و قال لهم: (ان معاوية قد هلك، و أن حسينا قد تقبض علي القوم ببيعته، و قد خرج الي مكة، و أنتم شيعته و شيعة أبيه، فان كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوه فاكتبوا اليه، و ان خفتم الوهل و الفشل، فلا تغروا الرجل من نفسه..

قالوا: بل لا نقاتل عدوه، نقتل أنفسنا دونه...) [2] .

و اذا أبدوا لسيلمان ذاك الحماس الكبير و أبدوا عن استعدادهم للتضحية بأنفسهم دون الحسين عليه السلام، طلب منهم عند ذاك أن يكتبوا اليه، فكتبوا اليه كتبهم العديدة التي ذكرنا نماذج منها في دراستنا هذه يرجون حضوره لتخليصهم من عدوه الجبار العنيد علي حد تعبيرهم الذي بغي علي هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيئها، و تامر عليها بغير رضا منها، ثم قتل خيارها و استبقي شرارها، و جعل ما الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود.

و قد أوضحوا في رسائلهم أنهم كانوا يقاطعون ممثل الدولة و لا يجتمعون معه


في جمعه و لا يخرجون معه الي عيد، و أبدوا استعدادهم لاخراجه و الحاقه بالشام، مقر السلطة الحاكمة.

و كانت رسائلهم تعكس تلهفهم و شوقهم الشديد لاستقبال الحسين عليه السلام و قد حفلت بعبارات تؤكد عزمهم علي السير خلفه مهما كانت النتائج.

و مهما يكن من أمر فربما كانوا يتوقعون نصرا سهلا و نجاحا يسيرا، و لم يتوقعوا أن يواجهوا تلك المواجهة العنيفة و تستنفر لهم الدولة أشد أعوانها قسوة و وحشية.

و قد أنكروا فيما بعد حتي تلك الرسائل عندما كشر لهم الوحش الأموي و كشف عن أنيابه و بدأ يستعد للانقضاض عليهم ان هم أعلنوا الحرب عليه، و لم يلتزموا بالقوانين التي فرضها عليهم و ألزمهم بموجبها أن يكونوا تباعا و عبيدا.

و لا شك أن سليمان بن صرد يعلم أن الامام الحسين عليه السلام لم يكن ليغر برسائل أهل العراق، غير أنه أردك أنهم بتلك الرسائل سيحملون الامام مسؤولية القدوم اليهم و قيادتهم، و ان احتمال تخليهم عنه وارد جدا، و مع أنهم سيكونون المسؤولين عن ذلك، الا أن ثمن موقفهم ذاك سيكون باهضا و سيكلف حياة الامام عليه السلام، و حياتهم هم فيما بعد.

لو لم ترد رسائل أهل الكوفة للامام عليه السلام، و لم يأت هو للكوفة لما استطاع أحد تحميله مسؤولية القيام بالثورة لكنها عندما وردت اليه أصبح ملزما بالاستجابة لها، اذ لو لم يستجب لقلنا أن الناس قد عزمت علي الثورة و استدعت قائدها لتزعم تلك الثورة الا أنه لم يستجب، و لن نكون عند ذاك معنيين بالسؤال و التدقيق عن طبيعة أهل الكوفة و من كتبوا تلك الرسائل، و سنفتقر الي النتائج مباشرة فنقول: ان الامام تخلي عن الأمة و رفض قيادتها، و انها قد استسلمت ليزيد لهذا السبب، مع أنها كانت مستسلمة منذ البداية و لم تعزم أمرها بصورة جديدة علي خوض معركة حقيقية مع أعدائها.


پاورقي

[1] الطبري 299 / 3 و تراجع المصادر التي ذکرناها في غضون هذه الدراسة.

[2] الطبري 277 / 3.