بازگشت

تقلب طاري ء أم أصيل


لم يكن (تقلب) أهل الكوفة أمرا نابعا عن صفة اختصوا بها دون غيرهم، بل أنه كان وليد الأحداث التي عاشوها و الحملات المركزة و المنظمة التي بدأها معاوية لتفتيتهم و تفريق شملهم و اضعافهم لكي لا يظلوا علي موقفهم السابق في عهد أميرالمؤمنين عليه السلام حيث كانوا القوة الرئيسية التي واجهته و حاربته و أدركت زيفه و أباطيله، و قد أوضحنا بعض الأساليب التي لجأ اليها في هذا المجال، و هي أساليب لا يمكن نسبتها الي الاسلام بأي حال من الأحوال.

ان من شأن استهدافهم الواضح لخطط الحكم الأمويين الجائرة و ظلمهم المركز طوال أكثر من عقدين شملا (خلافة) معاوية كلها و تعرضهم للمخاطر و الأساليب الرهيبة التي تفتق عنها ذهنه الشيطاني مثل الأخذ علي الشك و الظن و الأخذ (بجريرة) الغير و اعتماد نظام الأرباع و الأخماس و الشرطة و الشرطة السرية و النقباء و العرفاء و استخدام الأشراف و الوجهاء و رؤساء القبائل لدي الدولة شبه موظفين يتقاضون رواتب علي خدماتهم و يتقاضون حسب تلك الخدمات التي يؤدونها، ولد حالة من الحذر و الشك القائمين علي ذلك الخوف الرهيب المزروع في نفوسهم من سطوة السلطة الحاكمة و جبروتها و عنفها، و جعل معظمهم يتعاملون بوجهين و قد يلجئون الي الكذب و النميمة و الدس لحماية أنفسهم و للتقرب من السلطة التي بدت في نظرهم كائنا أسطوريا ضخما لا يمكن مواجهته الا من بعيد و ينبغي علي من يريد الحياة أن يتجنب شره و سطوته؛ و اذا ما أضفنا الي ذلك حملة التفريغ من الاسلام التي قام بها معاوية و التي حاول فيها تزوير العديد من المبادي ء و التشريعات الاسلامية و جند لها مجموعة ضخمة من (رواة الحديث) و مدعي الصحابة و فقهاء الدولة و وعاظها و القصاصين و ناشري الاشاعات و الاسرائيليين الذين حاولوا دس الأقاصيص و الافتراءات الاسرائيلية في المرويات الاسلامية، و غيرهم من المأجورين و المجندين لهذه الحملة الصخمة الكبيرة؛ حتي أصبح الاسلام (مثلا أعلي) مبعدا عن الحياة و غير ممكن التطبيق وفق الأسس التي أرادها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؛ و حتي وفق الأسس التي أرادها عثمان. كما أشار الي ذلك معاوية في مخاطبة ساخرة ليزيد حينما قال هذا في رواية موضوعة علي الأغلب من قبل معاوية أنه يريد أن يسير بسيرة عمر بن الخطاب،


و كما أشرنا الي ذلك في هذه الدراسة، و أصبح معاوية ممثلا للاسلام و ناطقا باسمه و قائدا للمسلمين برغمهم. أدركنا أن المسلمين أصيبوا بصدمة قوية جراء هذا التلاعب الخطير... و أصبح خوفهم من السلطة أقوي من المبادي ء التي ضحوا من أجلها، و قد وجدوا أن طريقها في النهاية و عر و محفوف بالمخاطر.

و مع ذلك فقد كانوا لا يريدون قرارة أنفسهم التخلي عن هذه المبادي ء التي علموا جيدا أنها الضمانة الوحيدة لسعادتهم و خلاصهم في الدارين.. و ان هم تخلوا عنها فلابد لهم من العودة اليها و الركون اليها وحدها، و وحدها فقط.

لذلك فانهم ما يكادن يجبرون تحت وطأة حكامهم القاسين و أشرافهم المنحازين الي صف أولئك الحكام، علي تبني مواقف الدولة و قبول ممارساتها و السكوت عنها، حتي يعودوا مرة أخري يفكرون لخطأ مواقفهم و يندمون عليها و يحاولون التراجع عنها و اتخاذ مواقف مغايرة لها. غير أنهم ربما كانوا يطمحون الي قوة عليا تخلصهم من مصائبهم دون أن يقوموا بالخطوات اللازمة لذلك.