بازگشت

لا يوقف الانحراف الكبير الا دم الشهداء


لقد وجد الامام الحسين عليه السلام نفسه في موقف دقيق؛ تقف مع أمة متخاذلة مستسلمة خائرة أمام نظام جائر منحرف لا يتورع عن اتباع كل الأساليب التي من شأنها أن تبقيه قائما.

و لم تكن النصيحة وحدها أو الارشاد أو الوعظ كافية لاعادة الأمة الي صوابها و ارجاعها عن انحرافها و استسلامها. كما لم يكن الموقف السلبي الذي قد يتمثل باعتزال كل شي ء، و الانصراف الي أداء بعض الشعائر التعبدية كالصلاة و غيرها و الذي


سيشكل لونا من ألوان الرهبنة المرفوضة في الاسلام، كافيا لجعل الأمة تلتفت الي خطئها و انحرافها في ظل قيادة تبنت الانحراف و الخطأ و عرضته علي أنه هو الصواب (بأدلة) و أقوال افتعلتها و نسبتها الي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه.

كان لابد من التصدي للانحراف بالدم، فقد كان ذلك هو الحل الوحيد لاشعار الأمة بمدي خطر هذا الانحراف. و اذا ما شعرت، فانها حينذاك ستعمل علي ايقافه و القضاء عليه و لو بعد مدة طويلة من الزمن قد تبلغ عشرات أو مئات من السنين.

و سيظل حال الامام عليه السلام و شخوصه من المدينة الي مكة ثم الي الكوفة بعد دلك لايقاف الانحراف ماثلا أمامها علي مر الأزمان ليكون دافعا لتكرار قيامها بمهمة مماثلة ما دام الاسلام لم يحظ بالاهتمام اللازم من قبل الأمة و ما دام يستعبد و يهمل و يصبح عرضة و غرضا لسهام أعدائه و مؤامرتهم وكيدهم.

بل لعل الحسين عليه السلام كان يري الموت أبسط ثمن يمكن أن يدفع لقاء هذه المهمة الكبيرة، و يري أنه أمر يسيرهين ما دام سيكون كفيلا بنجاحها، و هكذا رأينا أصراره علي المضي حتي النهاية رغم الفرص العديدة التي أتيحت له للتراجع و استمعنا الي أقواله في كل مرحلة من مراحل مسيرته الملحمية من المدينة الي الكوفة عبر مكة، و هكذا خاطب الحر بن يزيد الرياحي بنفس اللغة القوية التي استعملها دائما عندما طلب منه الاستسلام و مبايعة يزيد (أفبا لموت تخوفني؟ و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟) [1] .

ان مهمة ايقاظ الأمة من سباتها و ايقافها عن الانحراف المتسارع لابد أن يكون له ثمن باهظ، و هو حياة امام الأمة نفسه، فبغير ذلك ما كان سيظل لهذه الأمة كأمة اسلامية سوي لون باهت سيسقط من ذاكرتها علي مر الأعوام. أما اذا ما استشهد أمام الأمة و سار في الشوط المعد له حتي النهاية محتملا صابرا، و ظل لون دمه القاني يصبغ آخر مشهد له، فان لون الدم هذا لا يمكن أن يمحي بسهولة، و به أثبت للأمة أنه علي مستوي الرسالة التي حملها بعد أبيه و أخيه عن جده، و ان أقل ما تستحقه منه و من غيره التضحية الي حد الاستشهاد.

پاورقي

[1] الطبري 307 / 3 و ابن الأثير 409 / 3.