بازگشت

سيوفهم عليك


لأنهم فقدوا الارادة و الحس و الشعور بالمسؤولية

كان مجتمع و الفرزدق يدركان بعد انحياز الأشراف و الوجهاء الي صف السلطة، و بعد أن عظمت رشوتهم و ملئت غرائرهم، أن أمر الناس الآخرين من السذج و البسطاء و غير المتعلمين و المناقدين الذين تتشكل أغلبيتهم من (الهمج الرعاع) الذين لا يتمتعون بأي قدر من الوعي و الشعور بالمسؤولية أو الاحساس بأوضاع الأمة المأساوية في ظل نظام بعيد عن الاسلام. لن يكون مشكلة كبيرة أو عقبة مهمة أمام السطة الجائرة، و أن تحويلهم و كسبهم الي صفها أمر هين ما دام قادتهم و زعماؤهم من الأشراف و الوجهاء يقفون في صفها و يملكون قوة التأثير علي تلك الجماهير الواسعة، و ما دام سائر الناس لا ينطلقون في مواقفهم في أغلب الأحيان الا استجابة لأوامر هؤلاء القادة و الزعماء بعد أن انعدام شعورهم بالمسؤولية و فقدوا الارادة الحرة و الحس الصحيح اللذين يحتمان عليهم التصرف بموجبهما.

انهما يحتملان سهولة التأثير علي عامة الناس و تغييرهم الي صف السلطة المنظمة المجهزة ذات الجاه و النفوذ و القوة، ما داموا يسيرون خلف الأشراف ما دامت مواقفهم غير ثابتة و غير مبدئية و غير حازمة. و ما دام الأشراف أو أغلبيتهم، في صف الحاكم الثري القوي.

ان هذا الحاكم - في غمرة سعيه المحموم لتثبيت سلطانه و مصالحه - قد أحكم خططه و استكمل استحكاماته و أجهزته و وسائل القمع و الارهاب التي عززها بوسائل و أساليب جديدة لم تكن تعرف من قبل و لم يلجأ اليهم حاكم اسلامي يري اعتماد الاسلامي في التعامل و الحياة.

و هكذا عندما جاء ابن زياد الي الكوفة، رأينا سهولة المهمة التي نهض بها لتغيير الناس ثانية الي صف الدولة؛ و بدا تحولهم الي جانبها و كأنه تم بطريقة سحرية و كأن تغيرهم علي مسلم كان أمرا خارقا غير مفهوم أو قابل للتفسير، و ربما قيل فيه: ان


السبب هو استعداد أهل للكوفة غير العادي لتغيير المواقف، و هو أمر صحيح الي حد بعيد، غير أن لذلك سببه أيضا كما أوضحنا في غضون هذه الدراسة، و أنه ما كان يتم لولا سعي حثيث من قبل أجهزة الدولة كلها.