بازگشت

القتل علي التهمة و الظنة و الشبهة


قانون دولة الظلم و كتب معاوية الي جميع عماله في الأمصار: أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي و أهل بيته شهادة، و انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبيه و محبي أهل بيته و أهل ولايته، و الذين يرون فضله و مناقبه، فأدنوا مجالسهم، و قدموهم، و أكرموهم، و اكتبوا بمن يروي من مناقبه باسمه و اسم أبيه و قبيلته، ففعلوا، حتي أكثرت الرواية في


عثمان، و افتعلوها لما كان يبعث اليهم من الصلاة و الخلع و القطائع من العرب و الموالي، فكثر ذلك في كل مصر و تنافسوا في الأموال و الدنيا، فليس يجي ء من مصر من الأمصار، فيروي في عثمان مقبة أو فضيله الا كتب اسمه و قرب أجيز، فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ثم كتب الي عماله أن الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كل مصر، فادعوا الناس الي الرواية في معاوية و فضله و سوابقه، فان ذلك أحب الينا و أقر لأعيننا و أدحض لحجة أهل هذا البيت، و أشد عليهم.

فقرأ كل أمير وقاض كتابه علي الناس، فأخذ الناس في الروايات في فضائل معاوية علي المنبر، في كل كورة و كل مسجد زورا، و ألقوا ذلك الي معلمي الكتاتيب، فعلموا ذلك صبيانهم، كما يعلمونهم القرآن، حتي علموه بناتهم و نساءهم و حشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله...

و كتب زياد بن أبيه اليه في حق الحضرميين أنهم علي دين علي، و علي رأيه، فكتب اليه معاوية: أقتل كان من كان علي دين علي و رأيه، فقتلهم و مثل بهم.

و كتب معاوية الي جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان، و كتب كتابا آخر: انظروا من قبلكم من شيعة علي و اتهموه بحبه فاقتلوه، و ان لم تقم عليه البينة، فقتلوهم علي التهمة و الظنة و الشبهة، تحت كل حجر، حتي لو كان الرجل تستقط منه كلمة ضربت عنقه.

و حتي كان الرجل يرمي بالزندقة و الكفر كان يكرم و يعظم، و لا يتعرض له بمكروه، والرجل من الشيعة لا يأمن علي نفيه في بلد من البلدان، لا سيما الكوفة و البصرة، حتي لو أن أحدا منهم أراد أن يلقي سرا الي من يثق به لأتاه في بيته، فيخاف خادمه و مملوكه فلا يحدث الا بعد أن يأخذ عليه الايمان المغلظة ليكتمن عليه.

ثم لا يزداد الأمر الا شدة حتي أكثر و ظهرت أحاديثهم الكاذبة، و نشأ عليه الصبيان يتعلمون ذلك، و كان أشد الناس في ذلك القراء المراؤون المتصنعون الذين يظهرون الخشوع و الورع، فكذبوا و انتحلوا الأحاديث و ولدوها، فيخطون بذلك عند الولاة و القضاة، و يدنون مجالسهم، و يصيبون بذلك الأموال و القطائع و المنازل، حتي صارت أحاديثهم و رواياتهم عندهم حقا و صدقا، فرووها و قبلوها و تعلموها و علموها، و أحبوا عليها و أبغضوا من ردها أو شك فيها.


فاجتمعت علي ذلك جماعتهم و صارت في يد المتنسكين و المتدينين منهم الذين لا يستحلون الافتعال لمثلها، فقبلوها، و هم يرن انها حق، و لو علموا بطلانها و تيقنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها و لم يدينوا بها، و لم يبغضوا من خالفها، فصار الحق عندهم في ذلك الزمان باطلا و الباطل حقا، و الكذب صدقا و الصدق كذبا) [1] .

و قد كانت أساليب السلطة الغاشمة المتمتعة بالمال و النفوذ مع مواليها و من أعلن استعداده لخدمتها و السير في ركابها بتقريبهم و منحهم المناصب و الأموال، و افقار من تميزوا بمواقفهم السلبية منها و محاربتهم و قتلهم و سجنهم و نفيهم، و تشكيل مواصفات و أسس اجتماعية جديدة قائمة علي مدي الولاء للسلطة. من شأنها العمل علي تفتيت المجتمع و جعله يفقد المرتكزات السابقة التي كان يقوم عليها منذ عهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: كما أن أسلوب محاصرة الناس و مراقبتهم و استحداث أساليب جديدة في تقسيم المدن مثل نظام الأرباع و أجهزة الشرطة و الشرطة السرية و العرفاء و النقباء.

كل تلك الأساليب، مع ما رافقها من حملة منظمة لتشويه الحقائق و تزوير الوقائع و الأحداث و الأقوال و الأحاديث النبوية الشريفة و تأويل الآيات القرآنية، و التأكيد علي ابراز معاوية كرمز كبير من رموز المسلمين و من أقرب المقربين من الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم! كما أوضحنا عند الحديث عن شخصية معاوية ساعدته علي أضعاف الحلقات التي رأي أنها لا تزال قوية بما فيه الكفاية للصمود بوجهه أو بوجه من سيأتي بعده.


پاورقي

[1] المجلسي - بحارالأنوار ج - 44 ص 127 - 125 عن الاحتجاج، و قد اسهبت کتب التاريخ عن ممارسات معاوية و زياد ضد العراق، و هو أمر يحتاج الي أن يفرد له کتاب مستقل لما للموضوع من أهمية تاريخية کبيرة.