بازگشت

الخوف علي المصالح


المبرر الدائم للاستسلام ان أشراف الكوفة قد يبررون وقوفهم الي جانب السلطة، بخوفهم منها علي أنفسهم و مصالحهم خصوصا و أن هذه السلطة الغاشمة قد اعتمدت شبكة واسعة من الشرطة و المخبرين و العرفاء و النقباء و الجنود المرتزقة والأشراف الآخرين ممن انحازوا اليها قبلا، و عمدت الي ابعاد الاسلام عن الحياة، اللهم الا تلك الممارسات الظاهرية التي تتيح لها الادعاء أنها سلطة اسلامية تحكم دولة اسلامية، و جعلت تطلعات الناس و همومهم تطلعات و هموما عادية لا تعني الا بالشؤون الخاصة و تري في التعرض لأي شأن من الشؤون العامة أمرا خطيرا ينبغي أن لا يناقش من قبل عموم الناس، كما أنها عمدت و بنية مبيتة علي اثارة العصبية القبلية و الخلافات بين القبائل و استمالت بعضها الي جانبها و لم تترك القبائل الأخري، و انما جعلت لها في كل قبيلة قاعدة و رصيدا و قد (بقي التنظيم القبائلي سائدا، و بقي زعيم كل قبيلة هو الشخص الذي يرتبط كهمزة الوصل بين قبيلته و بين السلطان. و هذا التنظيم القبائلي بطبيعته يخلق جماعة من الزعماء و من شيوخ هذه القبائل الذين لم يريهم الاسلام في المرتبة السابقة، و لم يعيشوا أيام النبوة عيشا صحيحا، مما جعل من هؤلاء طبيعة معينة ذات مصالح و ذات أهواء و ذات مشاعر في مقابل قواعدها الشعبية مما يوفر لهم أسباب النفوذ و الاعتبار... ان كل قبيلة كانت تخضع اداريا و سياسيا لزعامة تلك القبيلة التي تشكل همزة وصل بين القبلة و بين الحاكم الذي يسهل عليه أن يرشي رؤساء هذه القبائل بقدر الامكان، و هذا ما كان يفعله غير علي عليه السلام و كان عاملا من عوامل القوة بالنسبة الي معاوية [1] و قد ساعد اعتماد رؤساء القبائل علي منح الدولة و عطاياها السخية علي قوعهم و استسلامهم لها استسلاما تاما، و كانوا اداة لاخضاع قبائلهم و الوقوف بوجه من يقف ضد الدولة.

ان من شأن هذا الأمر أن يعزل من يريد التصدي للأمور العامة التي غالبا ما تتبناها الدولة و لا تسمح لأحد بالتدخل فيها، بل و تعاقب علي ذلك بعنف و بقسوة و بالغبن، و من شأنه أن يزيد عدد المنسحبين من ساحة الاهتمامات العامة، التي تعني بنظر السلطة التدخل في شؤونها و التآمر عليها، الي ساحة الهمج الرعاع الذين قد لا


يحسون حتي بالظلم الواقع عليهم شخصيا و الذين يمكن السيطرة عليهم و سوقهم لتنفيذ أغراض الدولة و مآربها طالما أنهم مفرغون من العلم و المبادي ء.

لقد أو ضحت مؤشرات عديدة ان أشراف الكوفة كانوا يتصرفون بحذر و وجل، فكأن سيفا كان يبدو علي الدوام سلطا علي رؤوسهم، ان أيا منهم يمكن أن يستبدل بسهولة، كما ان قتل من يخرج علي الدولة يبدو سهلا كذلك دون أن ينهض من قومه أو من قبيلته من يمكن ان يخلصه رغم أن عدد المقاتلين من بعض القبائل يمكن أن يفوق حتي عدد الذين جندتهم الدولة لقتال الحسين عليه السلام أو يقترب منه غير أن الأواصر قد قطعت كلها حتي الآصرة القبلية التي لم يحاربها الاسلام طالما كانت قائمة علي مبادئه و قيمه و التزاماته، و أصبحت مراكز القوي المتنافرة تبدو حتي داخل القبيلة الواحدة و ليس بين القبائل المختلفة و حسب، و أي رئيس أو شريف منها يوالي الدولة و ينحاز اليها يبدو هو المرجع لنيل مركز الرئاسة فيها، فالثروة و القوة بيد الدولة تمنحها لمن تشاء من أعوانها و مرتزقتها.


پاورقي

[1] أهل البيت: 107.