بازگشت

مبادرات شخصية..


لكي يرضي الأمير لقد رأينا كيف نادي شمر الامام قائلا: (تعجلت النار في الدنيا قبل القيامة) [1] .

فابن زياد لم يكلفه - بالتأكيد -بمثل هذه المهمة و التصدي للامام عليه السلام بمثل تلك الاقوال، التي شجعت آخرين مثل ابن حوزة و يزيد بن معقل و غيرهما ليقولا مثلما قال، محاولين التقرب من شمر مثلما يحاول التقرب من ابن زياد مثلما يحاول هذا التقرب من يزيد!

كما أن شمرا لم يكن مكلفا بالتصدي للامام عليه السلام عند محاولته اقناع الجيش بالتراجع عن مهمته، و القاء الحجة علي أفراده للتخلي عن القيادة الظالمة التي استخدمتهم لتنفيذ مآربها و أغراضها، و ابن يجبهه بتلك الأقوال التي ما كانت لتعمل الا علي تجسيم جريمته و تضخيم عمله الذي اقدم عليه بتلك الروح المنحازة التي لم تتطلع علي الاسلام أبدا.

و لعل ابن زياد لم يكلفه باحراق البيوت و ترويع النساء و قتل الاطفال كما أراد أن يفعل هو و رجاله.

و قد أدرك ذلك حميد بن مسلم ذلك بعد أن رأي اندفاعة شمر و خاطبه قائلا: (و الله ان في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك) [2] غير أن شمر كان يري ان ذلك كان الحد الأدني المطلوب الذي أمر به أميره، أما الحد الذي يرضيه فعلا، فقد حسب أنه ما كان يقوم به فعلا من أفعال و مبادرات شخصية.

و بالتأكيد، فان عمرو بن الحجاج كان يستطيع السكوت و عدم تحريض الناس علي الحسين عليه السلام و أصحابه و المناداة بأعلي صوته: (لا يبرز اليهم منكم أحد، فانهم قليل، و قلما يبقون، و الله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم، يا أهل الكوفة. الزموا طاعتكم و جماعتكم، لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف


الامام [3] ، كان يمكن أن يكتفي بحمل سيفه كما فعل الكثيرون و لا يؤدي ذلك الدور الاستثنائي المحرض مع أنه ربما اعتذر بعد ذلك عن فعله و قال أنه أجبر علي فعل ما فعله بعد ذلك.

و ما كان الحصين بن نمير مكلفا بالرد علي الحسين عليه السلام و أصحابه حين سألوا أصحاب ابن سعد أن يكفوا الحرب حتي يصلوا، فقال لهم الحصين: انها لا تصل، فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت ان الصلاة من آل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا تقبل، و تقبل منك يا حمار؟ [4] ، و قد أو شك حبيب علي قتل الحصين، الا أن أصحابه استنقذوه منه و قتلوا هانئا، و أراد الحصين بعد أن ضرب هاني ء علي رأسه بالسيف و احتزه أحد شركائه في الجريمة، أن يأخذ رأس هاني ء قائلا لشريكه: (اني لشريكك في قتله أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يري الناس و سيعلموا أني اشتركت في قتله ثم خذه أنت من بعد فامض به) [5] و قد استجاب له شريكه و دفع اليه الرأس، فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه، ثم دفعه بعد ذلك اليه.

و لا شك أن الحصين أراد تسجيل موقف متميز لدي أسياده، فلابد أن يعلموا أنه شارك بقتل شخصية مهمة من أصحاب الحسين عليه السلام لتحسن صورته في نظرهم و يحتل مكانة مرموقة فيما بعد أو لعله لم يكن ينشد الا رضاهم و حسب.

و ربما كان لبعض أشراف الكوفة دور ظهروا فيه بمظر الذي لم يكن يحب قتال الحسين عليه السلام، الا أنهم شاركوا في المعركة و كان مجرد حضورهم كافيا لحث الكثيرين من غير الاشراف و من الاشراف أيضا لأداء ما كلفوا و ما لم يكلفوا به.

و قد رأينا كيف أن شبث بن ربعي قد حاول التنصل من مقاتلة الحسين عليه السلام، بنفسه، رغم أنه كان ضمن الجيش المقاتل، حاول في البداية عدم الذهاب الي كربلاء مدعيا المرض، الا أنه خاف ابن زياد و ذهب، و قد أراده ابن سعد أن يتقدم لقتال الحسين عليه السلام في جماعة من الرماة، الا أنه تنصل من ذلك و قال له: (سبحان الله،


أتعمد الي شيخ مضر و أهل المصر عامة، بحثه في الرماة، لم تجد من تندب لهذا و يجزي ء عنك غيري، و ما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله) [6] .

فقد كان من أميرالمؤمنين عليه السلام و أصحابه و قاتل تحت لوائه معاوية و أصحابه ثم وجد نفسه بعد أن انفرد معاوية بالسلطة و واجه أهل الكوفة بالعسف و الغشم و الارهاب و الرشوة مدفوعا الي خدمة صاحب العرش الذي تسلط علي رقاب المسلمين، و خدمة ابنه بعد ذلك و مسلطا سفيه و سهامه هذه المرة علي رقاب من والاهم قبلا و رأي أنهم أحق الناس بالأمر، و لعله لا يزال يعتقد بذلك، الا أنه لم يجد في نفسه القوة علي التصريح بذلك و اعلان شجبه للحرب أو التخلي عنها.

و قد عبر عن ذلك بكلمات متألمة - في امارة مصعب - و في غياب سلطة الأمويين عن الكوفة قائلا: (لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا، و لا يسددهم لرشد، ألا تعجبون أنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب و مع ابنه من بعده آل ابي سفيان خمس سنين، ثم عدونا علي ابنه و هو خير أهل الارض نقاتله مع آل معاوية و ابن سمية الزانية! ضلال يا لك من ضلال) [7] .


پاورقي

[1] ابن الأثير 418 / 3 و ورد في الطبري 318 / 3 (استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة).

[2] الطبري 324 - 325 - 326 / 3 و ابن الاثير 426 - 423 / 3.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق.

[6] الطبري 325 / 3 و ابن الاثير 424 / 3.

[7] المصدر السابق.