بازگشت

كل ما يفعل الامير مقبول...


حتي و ان شتمهم أو أهانهم قد يسيغ أولئك الاشراف ضربة أو دفعة أو شتيمة أو لهزا أو همزا أو تعتعة من السلطان، و قد يرونه مؤدبا لهم، علي حد تعبير بعضهم، فمن حقه أن يفعل ذلك و هو أمر عائد اليه، غير أنهم يتأذون بالتأكيد عند أقل كلمة أو شارة أو تصريح يصدر عن أناس قد يكونون أقل منهم أهمية ضمن مواصفاتهم الاجتماعية المتعارفة. انهم عند


ذلك يظهرون تعاليا و شموخا و أنفة، و يبدون كما لو أن الحمية الجاهلية قد لفتهم من شعور رؤوسهم و حتي أظافر أقدامهم، و الويل لمن يتصدي لهم من عامة الناس أو فقرائهم.

أمر ابن زياد بأسماء بن خارجة فلهز و تعتع ثم ترك فحبس، كما ذكرنا عند التطرف لسيرة ابن زياد لمجرد احتجاج بسيط صدر منه حول معاملة ابن زياد لهاني ء، و كان ذلك دافعا لكي يتأدب محمد بن الاشعث و يسكت و يصرح بعد ذلك بأن الامير مؤدب، و قد أقدم ابن زياد علي نخس الشريف المؤدب هذا بالقضيب في جنبه دون أي اعتبار لشرفيته عندما علم أن مسلم في احد بيوته و أهانه بعد ذلك عندما قال له بأنه قد آمن مسلم و قال له: ما أنت و الأمان، و كأنه مجرد تابع صغير عليه أن ينفذ أوامر سيد و حسب. كما رأينا كيف أهان ابن سعد و غيره، اننا نلمس منه هذا المعاملة الجافية الغليظة المتعالية مع كل الأشراف عندما يسيطر و يقوي و يشتد، أما حين يضعف و يحاصر، فانه يكون هينا لينا متساهلا شأنه شأن أشرافه الآخرين.

و لقد أهانه يزيد و أهمله كما أهمله و أهانه معاوية من قبل و أوعده بأنه سيرجعه عبدا و ينكر النسب الذي افتعله و ادعاه له و أنه سيقتل كما ادعي ان لم يقتل الحسين عليه السلام فرأي أن يستعمل نفس لغة يزيد و نفس وعيده و تهديداته مع الاشراف الآخرين الذين هم دونه شرفا و منزلة، و كانت رسالة لابن سعد نموذجا آخر من رسالة يزيد له.

كان ابن زياد عارفا بنفسيات (أشرافه)، لأنه شريف منهم، فلم تكن تلك النفسيات تري مجالا للابداع و المنافسة الا في عالم المصالح و المكاسب الشخصية، و قد لا يرون أي اعتبار لأي قيمة أي شي ء يقف في طريق تحقيق تلك المكاسب حتي و لو كان ذلك هو الاسلام نفسه

و كان سباق الأشراف في كسب ود شريفهم الكبير يبدو من خلال اللمسات و التصرفات و المبادرات الشخصية التي يقوم بها كل منهم، فهم لا يكتفون أغلب الأحيان بتنفيذ المهمات التي يكلفون بها و حسب، و انما يضيفون اليها أفعالا يبتكرونها هم، لكي يري أميرهم ذلك، و يري أنهم منحازون فعلا الي صفه و أنهم يرون متعة بتنفيذ أوامره و توجيهاته، و أنهم لا يفعلون ذلك لأنها أوامر واجبة الاداء، بل لأنها تعبر عما يرونه هو، و لعله لو لم يصدرها لقاموا هم بفعلها لأن ذلك ما ينبغي


القيام به فعلا لتكون لهم يد عنده و تحسن صورهم بنظره لتكون المكاسب - بعد ذلك - أدسم و أكثر و أضمن.