بازگشت

الوشاية و الغدر لا تؤثران علي شرف الشريف


و لم يتحرج الشريفان محمد بن الأشعث و ابنه عبدالرحمن من الوشاية بمسلم عندما بلغهما أمر وجوده في دار طوعة، و لم يحتج ابن الاشعث علي اهانة ابن زياد أياه و نخسه بالقضيب كما ينخس عبيده و خدمه و قد أمره أن يأتي به حالا.

لقد حسب، و قد زج له ابن زياد ثناء كاذبا عندما رأي موقفه في الوقوف ضد مسلم الي صفه و قال له عندما وفد عليه صبيحة اليوم التالي: (مرحبا بمن لا يستغش ولايتهم، ثم أقعده الي جنبه) [1] ، أنه كان مرموقا حقا و أثيرا عند سيده، لشخصه و مكانته في قومه، و لم يحسب أنه كان يقرب طالما كان يتطوع بتلك الخدمات لصالح أسياده، و قد اعتقد أن مكانته كانت تؤهله لتقديم الامان لمسلم بعد أن (أثخن بالحجارة و عجز عن القتال و انبهر) [2] ، فقال له: (ان القوم عمك، و ليسوا بقاتليك و لا ضاريك، لك الامان) [3] .

و قد أدرك مسلم أن الدولة كانت تسعي سعيا محموما لحربه و القضاء عليه و ان ابن الاشعث لم يكن بالمكانة التي توهله لدفع الاذي عنه طالما أنه كان عدو الدولة الرئيسي الذي جردت كل قوتها لحربه، و قد أوصي ابن الاشعث أن يبعث الي الحسين عليه السلام من يمنعه من القدوم الي الكوفة، و قد وعده ابن الاشعث أن يفعل


ذلك و أصر موقفه بتقديم الأمان لمسلم قائلا: (و الله لأفعلن، و لأعلمن ابن زياد أني قد امنتك) [4] .

و لم يذكر لنا أحدا أنه بعث أحدا الي الحسين عليه السلام لمنعه من القدوم، كما أنه فضل امام ابن زياد، عندما لم يبد الحماس المطلوب للدفاع عن مسلم و قد أمنه.

أخبره (محمد بن الاشعث بما كان منه و ما كان من أمانه أياه، فقال عبيدالله، ما أنت و الامان، كأنا ارسلناك تؤمنه، انما أرسلناك لتأتينا به، فسكت)

[5] .

لقد أهانه مرة أخري و اشعره أن دوره لا يتعدي دور خادم أو شرطي مستخدم لدي الدولة لقاء ثمن، و أنه ليس بالاهمية التي يستطيع بها تقديم امان لأحد نيابة عن سيده، و لم يكلف نفسه عناء رده بعبارات لطيفة و أسلوب مؤدب لأنه علم أنه سيسيغ تلك الاهانه و غيرها، و سيظل فرحا مغتبطا بوجوده في حاشيته و ضمن أتباعه، و لم يتحرك حتي عندما استنهضه مسلم قائلا: (يابن الاشعث أما و الله، لو لا أنك آمنتني ما استسلمت، قم بسيفك دوني، فقد اخفرت ذمتك) [6] و لم ينهض فقد اخفرت ذمته منذ زمن بعيد.

ان ذلة ابن الاشعث امام ابن زياد كانت تلوح بوجوه كل أشراف الكوفة، فما كان لأحد منهم، و هو يهان أمامهم أن يقول له أنه أكثر كرامة منه و أنه عزيز قومه، بل ان الذلة قد ضربة عليهم جميعا.

و لم يجد الشريف مسلم بن عمرو الباهلي، الذي قدم في ركاب ابن زياد الي الكوفة، حرجا من التطرف أمام مسلم بن عقيل الجريح العطشان و قد طلب ماء، فقال له و هو يشير الي قلة بارده موضوعة علي باب قصر ابن زياد: (أتراها، ما ابردها، لا و الله لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم. قال له ابن عقيل: ويحك، من أنت؟

قال: انا ابن عرف الحق اذ أنكرته، و نصح لامامه اذ غششته، و سمع و أطاع اذ عصيته و خالفت، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.


فقال ابن عقيل: لامك الثكل! ما أجفاك، و ما أفظلك؛ و أقسي قلبك و اغلظك! أنت يابن باهلة أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني) [7] .

و بالتأكيد فان ابن زياد لم يكلف الباهلي بالتصدي لمسلم و ملاقاته بذلك الاسلوب الفظ، و ان كان سير تاح فيما لو بلغه ذلك عنه.. غير أن الباهلي حسب أن (مبادرته) هذه و ابداء التطرق في خدمة سيده سيرجح كفته و يرمقه بنظرة، و حسب أنه أمام انسان مغلوب منهزم ذليل، و لم يحسب ان الأسير المجروح سيواجهه بكلمات قوية و ثبات واضح، و ان موقفه سيكون عارا عليه. اذا بماذا كان سيحتج بعد ذلك اذا ما قيل له: انك لست بحاجة لمواجهة مسلم بمثل ذلك الكلام و انت تراه أسيرا جريحا؟ هل سيقون انني أجبرت علي ذلك، كما سيقول أمثاله اذ ما سيقوا الي الحرب مثلا؟ بالتأكيد أنه لن يلجأ الي هذا العذر، و سيضطر الي تكرار تبجحاته و ادعاءاته بأنه في خدمة الدولة و أنه ينصح لأميره و امامه يزيد و أنه قد سمع و أطاع و حسبه بذلك فخرا و شرفا.


پاورقي

[1] الطبري 289 / 3.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] الطبري 291 - 290 / 3 و ابن الاثير 397 - 396 / 3.

[5] المصدر السابق.

[6] المصدر السابق.

[7] المصدر السابق.