بازگشت

نلبس لكل حالة لبوسها


ان موقف الملأ أو الاشراف من أهل الكوفة، كان يتمير بالرخاوة و الذلة و عدم الثبات و الاستقرار؛ فقد شهدوا أحوالا متغيرة في جو مضطرب عاصف بدأ قبيل حكومة أميرالمؤمنين عليه السلام و خلالها ثم حكومة معاوية و ما أخذهم به من الشدة و العسق، و ربما رأوا أن حالة (الثبات) و الاستقرار لن تدوم في ظل حكومة بعينها، و ان الثبات خلف أميرالمؤمنين عليه السلام أو الثبات خلف أعدائه ربما ستعرضهم لسخط و غضب هذا الحاكم أو ذاك عند تغير الحال، التي حسبوا انها ستتغير حتما و لن تدوم علي نمط أو شكل واحد، و أنهم تبعا لذلك لابد أن يلسبوا لكل حالة لبوسها و أن يغيروا ازياءهم و أشكالهم و لغاتهم حسب ما يقتضيه حال الزمان المتغير المتلون.

و لعل سبب تغيرهم المستمر في ظل انماط متنوعة من الحكم و أغلبها انماط حكم ظالمة طاغوتية يعود الي عدم اطمئنانهم الي دوام الاوضاع و استقرارها و الي توقعهم المستمر للمفاجات في ظل تلك الانماط المختلفة، و لعلهم كانوا يعدون


لذلك من دواعي الحذ و الحيطة و متطلباتهما ليحفظوا به أرواحهم و أموالهم، و هو ما بدا لهم بمرور الزمن غاية كبيرة بحد ذاتها.

و قد يستعدي أمر الحذر التدقيق الزائد في أمر الحكام و الناس و البحث عن أحوالهم و الشك في أمرهم ليأمنوا شرورا متوقعة و مخاطر محتملة. [1] .


پاورقي

[1] و لأبي عثمان الجاحظ رأي وجيه في علة عصيانهم و تقبلهم.. يقول: (العلة في عصيان أهل العراق علي الامراء، و طاعة أهل الشام أن أهل العراق أهل نظر و ذوو فطن ثاقبة، و مع الفطنة و النظر يکون التنقيب و البحث، و مع التنقيب و البحث يکون الطعن و القدح و الترجيح بين الرجال و التمييز بين الرؤساء و اظهار عيوب الامراء. و أهل الشام ذو و بلادة و تقليد و جمود علي رأي واحد لا يرون النظر و لا يساءلون عن مغيب الاحوال، و ما زال العراق موصوفا أهله بقلة الطاعة و بالشقاق علي أولي الرئاسة) شرح نهج‏ البلاغة - لابن أبي الحديد 114 / 1.