بازگشت

مصالحنا أولا


و قد لعب (أشراف الكوفة) دورا بارزا لاحباط مهمة مسلم بن عقيل و افشالها، اسناد عبيدالله بن زياد، الذين كانوا يرون أن الدولة الأموية كانت كلها تقف وراءه


في هذه المهمة الطارئة، مهمة التصدي للامام الحسين عليه السلام و افشال ثورته لتصحيح مسيرة الأمة الاسلامية و تقويم انحرافها.

لقد كان هؤلاء (الاشراف) يظهرون رؤوسهم في كل وقت يرون فيه أن من مصلحتهم أن يفعلوا ذلك، و يخفونها عند ظهور أية بادرة خطر أو ثورة ضدهم.

و هذا ما رأيناه خلال فترة زمنية قصيرة (علي سبيل المثال) امتدت منذ وفاة معاوية عام 60 ه و حتي وفاة يزيد ثم الي حكم عبدالملك و قتل مصعب، و هي فترة لا تتجاوز عدد أصابع اليدين.

و اذا ما عدنا الي بداية الاحداث؛ منذ أن عزم الحسين عليه السلام المسير الي الكوفة، نجد أن بعضا من أشرافها، قد كتبوا اليه يعرضون عليه ولاءهم و يطلبون منه أن يقودهم ضد الدولة الأموية الفاسدة، و لعلهم قد عملوا ذلك بايعاز من الدولة نفسها في محاولة لاستدراج الامام عليه السلام و قتله أو محاصرته هناك.. أو لعلهم قد حسبوا أن يزيد ما كان ليصمد طويلا في الموقع الذي أعده له أبوه، و هو خلافة المسلمين كلهم، و أنهم لو كانوا قد بادروه الي اعلان الثورة و الحرب و الانضمام الي قائد لن تختلف عليه الأمة فيما بعد كالحسين عليه السلام، و نجحوا فيما بعد نجاحا سهلا عاجلا، لكانوا هم أول من سينجي مكاسب هذا النجاح السهل العاجل.

و لم يدر بخلدهم ان التصدي للحسين عليه السلام و بمبعوثه مسلم، سيكون بذلك العنف، و أنه سيواجه بتلك الشراسة و الوحشية، و أن معظمهم، هم أنفسهم، سيكونون اداة لذلك التصدي الشرس. اذ سينحازون بسهولة الي جانب السلطة، لأنهم لا يملكون الحصانة اللازمة لجعلهم يستمرون علي ما عقدوا العزم عليه منذ البداية و التزام الخط الرسالي الصحيح الذي سار عليه الحسين عليه السلام و أصحابه.

و لعل تطرف بعضهم باعلان العداوة للحسين و أصحابه عليه السلام فيما بعد، أي أثناء المعركة و قبلها، و بعد أن أحاط بهم الجيش الضخم الذي جرد لمحاصرتهم و قتلهم أو طلب الاستسلام منهم دون قيد أو شرط، أريد منه تبيان أنهم كانوا يفعلون ذلك بوحي من مبادئهم و قناعاتهم، و بوحي من حبهم و ولائهم للنظام الأموي المتمثل بيزيد، و أرادوا به البرهنة علي أنهم لم يكونوا في يوم الأيام أعداء للدوله الأموية، و كأنهم كانوا بموقفهم هذا يوقعون صكوك براءة عن مواقفهم السابقة الي جانب أميرالمؤمنين و الحسن عليه السلام و أرادوا به اعلان ان الرسائل - و قد انكروها فيما بعد كما رأينا، كانت مكذوبة علي السنتهم و موضوعة من قبل خصومهم.


و قد أرادوا بذلك كله التقرب الي ابن زياد، ممثل السلطة و حاكمهم المطلق، معتقدين بأنهم ما لم يكونوا مندفعين بذلك الحماس الزائد الذي أعلنوه، فربما لفت ذلك نظر ابن زياد اليهم، و هو ما تجنبوه اذ حسبوا ان فيه تعرضهم المحقق للعقوبة و الموت، مع أن ابن زياد الذكي الماكر، ما كانت لتفوته حركتهم منذ البداية، الا أنه آثر التغاضي عنها لئلا يفتح عليه أبواب و جبهات جديدة تضاف للجبهة اليت فتحها عليه مسلم عليه السلام فقد قال حين وروده الكوفة في أول خطاب له مزكيا كل أعوانه و من يحتمل أن يسير في ركابه، و موحيا لهم أنه يعتقد أنهم جميعا الي صفه يناوؤن الحسين عليه السلام، و أنه لا يعلم أحدا يناوي ء الدولة الأموية التي يمثلها هو في العراق، محاولا بذلك استدراجهم الي صفه فعلا و قيامهم ببذل أقصي جهد في خدمته بعد أن أمنوا العقوبة و الوشاية من قبل بعضهم البعض، (اني لأعلم انه قد سار معي و أظهر الطاعة لي من هو عدو للحسين، حين ظن أن الحسين دخل البلد و غلب عليه، و و الله ما عرفت منكم أحدا [1] .

و قد كانت هذه خطة ما كرة منه؛ اذ جعل أعداءه بالأمس، يطمئنون اليه و يأمنون عقابه، و أتاح لهم الفرصة لتغيير ولائهم بسرعة و التعبير عن ذلك الولاء بالتسابق بتسجيل المواقف الجديدة للدلالة علي انحيازهم الي جانبه، بعد أن لم يكونوا كذلك بالفعل، و قد أعفي بالفعل فيما بعد عن مرسلي الرسائل الي الحسين عليه السلام و فيما يدعونه للقدوم الي الكوفة و تزعمهم. و عندما واجه الامام عليه السلام بعض أولئك في ساحة المعركة و كشف أسماء بعض الذين كانوا يقودون قبائلهم و مرتزقة الدولة الآخرين و أوضح لهم أمام جندهم طبيعة الموقف الذي كان عليهم أن يتخذوه، و هو الوقوف الي جانبه و نصرته و الاستمرار في ذلك الي النهاية.

لم يملكوا أمام بيانه ذاك سوي الانكار و الكذب، اذ كيف يعترفون بأنهم كانوا من دعاته و سيف ابن زياد سلوه هم كان مسلطا علي رقابهم؟.

(فنادي يا شبث بن ربعي و يا حجار بن أبجر و يا قيس بن الاشعث و يا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا الي أن قد ايعنت الثمار و اخضر الجناب و طمت الجمام، و انما تقدم علي جند لك مجندة فأقبل.


قالوا له: لم نفعل، فقال: سبحان الله، بلي و الله لقد فعلتم) [2] .

و ما كان ذلك الموقف ليفوت عيون و جواسيس ابن زياد، و لابد أن خبرهم قد وصله، غير أنه، و قد رآهم في خدمته و تحت تصرفه فعلا، آثر أن يسكت عنهم و لا يحاسبهم، أو يحاسبهم فيما بعد اذا ما اظهروا فتورا أو تهاونا، أو يهملهم عند انقضاء المهمة، و هذا ما فعله مع معظمهم بالفعل؛ اذ لم يكن لهم شأن أو دور يذكر فيما بعد.

و لا يفوتنا أن نذكر أن بعض من كتبوا اليه، ظلوا علي مواقفهم نفسها تجاهه مثل حبيب بن مظاهر و مسلم بن عوسجه و غيرهما، و قد استمروا الي النهاية في نصرته، الا أن هؤلاء كانوا قلة، لا يقاس عددهم بعد أولئك الذي تخلوا عنه فيما بعد و وقفوا الي صف عدوه.

كما أن بعض من لم يكتبوا اليه أصلا، و كانوا غير منحازين اليه مند البداية اتخذوا مواقف مغايرة لمواقفهم الأولي منه مثل زهير بن القين و الحر بن يزيد الرياحي و أبو الشعثاء الكندي و غيرهم.


پاورقي

[1] الطبري 282 / 3.

[2] الطبري 319 / 3.