بازگشت

تمهيد


ترد لفظة (الاشراف) في معرض الحديث عن عناصر المجتمع، لتعني الملأ أو الطبقة، أو الفئة الوجيهة أو المتنفذة أو المقربة من السلطة، سواء علي نطاق زعامة الدول أو حكام الولايات أو الأقاليم أو المدن.

و مع أن الاسلام لا يكرس لأي لون من الوان التباين الطبقي أو الاجتماعي، و لا يشجع عليه أو يدعو له اطلاقا، و لو اتيح لمسيرته أن تأخذ نفس النمط أو الأسلوب الذي اتخذته أيام حكومة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، و لم يتسع الانحراف ذلك الاتساع الذي بلغ مداه في أواخر عهد معاوية و عهد يزيد، لما أتيح لنا أن نسمع هذه اللفظة تذكر عند الحديث عن المجتمع الاسلامي - الا أن الانحراف الذي شجع علي ظهور طبقة، أو فئة، بشكل أصح، ثرية، و حاشية قوية، وقادة يسعون لخدمة السلطان، و يتخذونه مثلا أعلي، و رؤساء للقبائل أعيدت لهم السلطات المطلقة التي قيدها الاسلام و سلبها منهم و أرادها أن تتركز في الدولة الاسلامية وحدها، و زعماء للفتن و الأحزاب و التيارات التي اتجهت لخدمة مصالحها و نفوذها و سار معظمها في ركاب السلطان الأموي الغاشم، جعل من وجود طبقة الاشراف أمرا واقعا لا مجال لانكاره أو اهماله.

و قد أعيد لهذه الطبقة أو الفئة مجدها الذاهب مع الشرك و الجاهلية، مع أن الاسلام أراد لكل مسلم أن يكون شريفا و عزيزا و قويا و ممتنعا به و أن تمحي كل الزوائد الطفيلية و لا يعد لها وجود في الواقع الحياتي، و أضيف الي امتيازاتها امتيازات جديده، أتاحها توسع العالم الاسلامي و الفتوحات الاسلامية و زيادة ثروة الدولة و استثناءها بهذه الثروة لتحقيق طموحها في المجال الشخصي و تثبيت الملك، لا طموح الاسلام لنشره في ارجاء المعمورة و نشر العدالة و الاخوة معه.

و هكذا أتيح لامتنا أن تشهد و تعيش هذه الحالة الاجتماعية التي كان للأشراف حضورا متميزا و مؤثرا فيها، باعتبارهم عنصر ثبات و هدوء و اسقترار و كبح، يتيح


للدولة السيطرة علي الفئات الشعبية الأخري و أبناء القبائل و تسخيرها لمهمات الدولة و منع حدوث المشاكل و الاضطرابات، مما يؤثر علي هيبة الدولة و سلطانها.

لقد أصبح حضور هذه الطبقة و وجودها أمرا واقعا و مكملا لوجود الدولة و كيانها، و أصبح لا غني عنه لبقائها و ديمومتها.

و كان لابد - لكني تضمن دولة الظلم و الانحراف هذه البقاء و هذه الديمومة أن تعني بطبقة الاشراف و تستميلهم الي جانبها بكافة الطرق المتاحة، و ما أكثرها لدي الدولة الاموية الثرية المتمكنة.