بازگشت

مسمار صغير في عجلة الدولة الكبيرة


و عاد شمر بعد الواقعة التي كانت له فيها يد طولي، لا يشكل الا مسمارا صغيرا في عجلة الدوله الأموية الكبيرة.

و مع هذا فقد تخلي عنها عند ما وجد أن الريح لا تسير معها، و حاول الانضمام الي مصعب بن الزبير، غير أن الفرصة فوتت عليه من قبل المختار و أصحابه.

أرسل المختار غلامه (ذربيا) في طلب شمر، غير أن شمر استطاع قتله عندما انقطع عن أصحابه، و ربما حسب أن لا أحد سيلاحقه بعد الآن و أنه سيكون آمنا حتي يلتحق بمصعب، و ربما علقت به بقايا عنجهية قديمة عندما كان يمثل ابن زياد في جيش ابن سعد، يأمر و ينهي، كأنه ابن زياد نفسه، و قد جنت عليه عنجهيته و استهتاره بالآخرين و كلفته حياته، مع أنه كان حريصا علي النجاة بها بكل وسيلة. [1] .

و قد روي عن مسلم بن عبدالله الضبابي، رفيقه عند الهروب الي البصرة، قال: لما خرج شمر بن ذي الجوشن، و أنا معه حين هزمنا المختار. مضي شمر حتي


نزل ساتيدما، ثم مضي حتي ينزل الي جانب قرية يقال لها الكلتانية علي شاطي ء نهر، الي جانب تل، ثم أرسل الي تلك القرية فأخذ منها علجا فضربه، ثم قال: النجاء بكتابي هذا الي مصعب بن الزبير و كتب عنوانه... للأمير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن.. فمضي العلج حتي يدخل قرية فيها بيوت، و فيها أبو عمرة، و قد كان المختار بعثه في تلك الأيام الي تلك القريه لتكون مسلحة فيما بينه و بين أهل البصرة. فلقي ذلك العلج علجا من تلك القريه. فأقبل يشكو اليه ما لقي من شمر، فانه لقائم معه يكلمه، اذ مر به رجل من أصحاب أبي عمره، فرأي الكتاب مع العلج، و عنوانه: لمصعب من شمر، فسألوا العلج عن مكانة الذي هو به، فأخبرهم، فاذا ليس بينهم و بينه الا ثلاثة فراسخ، فأقبلوا يسيرون اليه) [2] .

و قد أشار عليه أصحابه بالارتحال من المكان الذي كانوا فيه، الا أنه أبي و أصر علي البقاء فيه ثلاثة أيام، و قد وصل اليهم أصحاب المختار و أشرفوا عليهم.

(فكبروا [و الحديث لا يزال لمسلم بن عبدالله رفيق شمر] ثم أحاطوا بابياتنا، و خرجنا نشتد علي أرجلنا، و تركنا خيلنا، فأمر علي شمر و انه لمتزر ببرد محقق - و كان أبرص فكأني أنظر الي بياض كشحيه من فوق البرد، فانه ليطاعنهم بالرمح، قد اعجلوه أن يلبس سلاحه و ثيابه، فمضينا و تركناه، فما هو الا أن امعنت ساعة، اذ سمعت، الله أكبر، قتل الله الخبيث) [3] .



و بذلك فوتت عليه فرصة نقل الولاء من طاغية الي طاغية آخر، بعد ان لم يجد طاغيته الأولي في الميدان، و لم تتح له فرصة الخوض بمزيد من الدماء كما فعل في كربلاء.



پاورقي

[1] ذکر الطبري في تاريخه 459 / 3 قال: (بعث المختار غلاما له يدعي ذربيا في طلب شمر بن ذي الجوشن قال أبومخنف: فحدثني يونس بن أبي‏اسحاق، عن مسلم بن عبدالله الضبابي قال: تبعنا ذربي غلام المختار، فلحقنا و قد خرجنا من الکوفة علي خيول لنا ضمر، فأقبل يتمطر به فرسه، فلما دنا منا قال لنا شمر أرکضوا و تباعدوا عني لعل العبد يطمع في، قال: فرکضنا، فأمعنا، و طمع العبد في شمر، و أخذ شمر ما يستطرد له، حتي اذا انقطع من أصحابه حمل عليه شمر فدق ظهره، و أتي المختار فأخبر بذلک فقال: بؤسا لذربي، أما لو يستشيرني ما أمرته أن يخرج لأبي السابغة)

و ربما حسب شمر - استهانة منه بأصحاب المختار - مع أنه خرج هربا منهم، و بعد قتله غلام المختار أن لا أحد منهم يستطيع قتله، و هو ما جعله لا يحترس بما فيه الکفاية حتي تمکنوا منه بعد ذلک و قتلوه...

[2] الطبري 460 / 3 و ابن الاثير 44 / 4.

[3] نفس المصدرين السابقين، و قد روي عن عبدالرحمن بن عبيد ابي الکنود قوله: (أنا و الله صاحب الکتاب الذي رايته مع العلج، و أتيت به أبا عمرة، و أنا قتلت شمرا.... خرج علينا، فطاعتنا برمي ساعة، ثم القي رمحه، ثم دخل بيته فأخذ سيفه ثم خرج علينا و هو يقول:



نبهتم ليث عرين باسلا

جهما محياه يدق الکاهلا



لم ير يوما عن عدو ناکلا

الا کذا مقاتلا أو قاتلا



يبرحهم ضربا و يزوي العاملا

الطبري 460 / 3.