بازگشت

ظاهرة شمر


تلفت الانظار دائما و قد لفتت ظاهرة شمر هذه و تصرفاته المتحيزة الي جانب ابن زياد نظر أصحاب الحسين عليهم السلام، كما أنها لابد أن تكون قد لفتت أنظار أصحاب ابن سعد، (فقال له حبيب بن مظاهر: و الله اني لأراك تعبدالله علي سبعين حرفا، و أنا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول: قد طبع الله علي قلبك) [1] .

و قد أكمل الامام عليه السلام خطبته و أمر عقبة بن سمعان فعقل ناقته، مصمما علي القتال الي النهاية.

و لعل شمر كان مسرورا بتقريع هاني ء له و اهانته اياه، و ربما كان يحسب أنه ينبغي أن يتحمل ذلك في سبيل أسياده و مصالحهم و عرشهم، و لم تثنه هذه الاهانه من التعرض ثانية لزهير بن القين عندما خرج علي فرس له ذنوب، شاك في السلاح منذرا اياهم من عذاب الله و نصرة الحسين و خذلان عبيدالله بن زياد (فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم و قال: أسكت، اسكت الله نأمتك، ابرمتنا بكثرة كلامك، فقال له زهير: يابن البوال علي عقبيه، ما اياك أخاطب، انما أنت بهيمه، و الله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فابشر بالخزي يوم القيامة و العذاب الأليم.

فقال له شمر: ان الله قاتلك و صاحبك عن ساعة.

قال: أفبا لموت تخوفني؟ فو الله للموت مع أحب الي من الخلد معكم، ثم أقبل علي الناس رافعا صوته فقال: عباد الله، لا يغرنكم من دينكم هذا الجلد الجافي و أشباهه، فو الله لا تنال شفاعة محمد صلي الله عليه وآله وسلم قوما هرقوا دماء ذريته و أهل بيته، و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم) [2] .


كان زهير يدرك الدور التحريضي الذي لعبه شمر، و قد عرفه لهم بأنه بهيمة لا يحكم من كتاب الله آيتين و أنه جلد جافي لا ينبغي أن يكون قدوة لهم.

و لم يجد شمر ما يرد به علي زهير سوي تهديده بالموت، مستخدما نفس أسلوب سادته، بأن ما سيجري علي الحسين و أصحابه عليهم السلام انما هو بمشيئة الله، و كأن المشيئة الالهية مرهونة بتصرفاتهم و عبثهم.

و قد اندفع بعد ذلك في المسيرة علي أهل المسيرة من أصحاب الحسين (فثبتوا له فطاعنوه و أصحابه، و حمل علي الحسين و أصحابه من كل جانب) [3] و قد قتل جماعة من أصحاب الحسين في تلك الحملة.

كان شمر يعزز رصيده في التصدي المحموم للحسين و أصحابه في كل مرة يتاح له فيها ذلك، و كان يعمل بشتي السبل و كأنه (يستثمر) الوقت، بل كل دقيقة و كل ساعة منه ليحقق (انجازا) يرضي أسياده اذا ما وصل الي مسامعهم، فلم يكتف بما فعله من تحريض علي الحسن أصحابه عليهم السلام. بل ذهب الي حد اصدار أوامره لقتل امرأة أحد الشهداء الذي كانوا يقاتلون بين يدي الحسين عليه السلام و هي امرأة الكلبي. (خرجت امرأة الكلبي تمشي الي زوجها حتي جلست عند رأسه تمسح عنه التراب و تقول: هنيئا لك الجنة.

فقال شمر بن الجوشن لغلام يسمي رستم: اضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه، فماتت مكانها) [4] .

لقد استفزه منظر تلك المرأة الباسلة التي جاءت تودع زوجها في ساحة المعركة الوداع الأخير و تصب في أذنيه كلمة المواساة الصادقة و تبشره بالجنة، و قد علمت أن ما فعله هو الصواب، و ربما رأي شمر في فعلها ذاك و خروجها الي ساحة المعركة تحديا شخصيا له، ففعلها نقيض فعله تماما. انها تنحاز بشكل تام، طوعي و اختياري الي جانب الحسين عليه السلام و هو ينحاز بشكل تام الي جانب ابن زياد، و ربما أثر موقفها علي أفراد الجيش، و ربما انقلبوا أو انقلب بعضهم و انحازوا الي جانب الحسين عليه السلام هم أيضا، و كان التفكير بذلك يعيقه و يخيفه الي أبعد حد.


و قد أتبع شمر فعلته المشينة تلك بفعلة مشينة أخري اذ حمل (حتي طعن فسطاط الحسين برمحه، و نادي: علي بالنار حتي احرق هذا البيت علي أهله. فصاح النساء و خرجن من الفسطاط.

و صاح به الحسين: باين ذي الجوشن، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي علي أهلي، حرقك الله بالنار) [5] .

فهل كانت المعركة بين الحسين عليه السلام و بين شمر وحدهما؟ و هل كانت العداوة شخصية حتي يقدم شمر علي سابقته الخطيرة تلك و يأمر بحرق الخيام، بل أنه يطلب النار ليحرق الخيام بنفسه؟

لا شك أن موقف شمر يستحق الدراسة و الاهتمام، لأننا نجد علي أعتاب الظلمة و الطغاة ظواهر معادة مكررة من شمر، و نسخا منه نهجت نفس منهجه في الشر و الجريمة دون أن تؤثر بذلك و دون أن تصدر الهيا تعليمات بالتفاصيل التي (تبدعها).

و قد روي عن حميد بن مسلم، أحد أعوان ابن سعد و مرافقيه، قوله لشمر: (سبحان الله، ان هذا لا يصلح لك أتريد ان تجمع علي نفسك خصلتين؟ تعذب بعذاب الله، و تقتل الولدان و النساء؟ و الله أن في قتلتك الرجال لما ترضي به أميرك) [6] .

لقد أوجز حميد بن مسلم أمرا كان ينبغي علي شمر و أشباهه أن يفهموه و أن لا يتمادوا في جرائمهم الي أبعد حد (ان في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك)، فهو قد أرسل لمهمة محدودة: قتل الحسين و أصحابه، أما أن يتمادي الي الحد الذي يريد به حرق البيوت و قتل النساء و الولدان، فهو أمر أراد أن تبدو عليه لمساته و بصماته الشخصية لتحسن صورته عند أميره ليقربه أو يغدق عليه الأموال، و هو ما لم يؤمر به من قبل هذا الأمير، أليس هذا ما يفعله أشباه شمر الي يومنا هذا؟

و يبدو أن حميد بن مسلم قد لمس وترا حساسا في قلب شمر، و أوجز بعبارته


تلك ظاهرة اجتماعية متدنية و حالة سفلي لم يرد شمر أن يعترف بها، كما لا يريد من هم علي شاكلته الاعتراف بها أيضا [7] ، و قد تساءل شمر - في غمرة غيظه منه - من تري يكون هذا المشير (فقال: من أنت، قلت [و القول لحميد بن مسلم] لا أخبرك من أنا. قال: و خشيت و الله لو عرفني أن يضرني عند السلطان) [8] و الا فهل يستطيع أحد تقديم النصح لامثال هؤلاء دون أن يشوا به عند السلطان؟

و قد حاول شبث بن ربعي، الذي كان من أعوان أميرالمؤمنين عليه السلام و انحاز بعد ذلك الي معاوية و كان ممن راسلوا الحسين عليه السلام و طلبوا منه القدوم ثم انضم لجيش ابن سعد أن يثني شمر عن محاولة حرق البيوت، و قد استغل موقعه كقائد في الجيش المعادي للحسين عليه السلام و أحد أعدائه البارزين أن ينجح في مهمته مع شمر قال له: (ما رأيت مقالا أسوا من قولك، و لا مقوفا اقبح من موقفك، أمر عبا للنساء صرت؟ قال:[و القول لا يزال لحميد بن مسلم] فأشهد أنه استحا، فذهب لينصرف) [9] .. و يبدو أنه لم يفعل ذلك طواعية، و انما رده أصحاب الحسين عليه السلام بقوه و أجبروه علي التراجع... اذ (حمل عليه زهير بن القين في رجال عشرة من أصحابه، فشد علي شمر بن ذي الجوشن و أصحابه، فكشفهم عن البيوت حتي ارتفعوا عنها، فصرعوا ابا غرة الضبابي فقتلوه، فكان من أصحاب شمر و تعطف الناس عليهم فكثروهم، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل، فاذا قتل منهم الرجل و الرجلان تبين فيهم، و أولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم) [10] .



پاورقي

[1] تراجع نفس المصادر السابقة.

[2] المصدرالسابق.

[3] المصدر السابق.

[4] الطبري 326 / 3 و تراجع بقية المصادر السابقة.

[5] الصمدر السابق.

[6] المصدر السابق.

[7] کان شمر يدرک الحد الادني المطلوب منه، لکنه لم يکتف بهذا الحد الأدني و انما أراد أن يستعرض انحيازه أمام الآخرين و خصوصا أمام سادته، بعمل لم يؤمر بعمله أصلا.. و بالتأکيد لم يکونوا معنيين بحرق البيوت و قتل الأطفال و النساء و لم يکن همهم سوي قتل الحسين عليه‏ السلام، لذلک فان أعمال شمر هذه قد أراد يدلل بها أنه يتبني مواقف أسياده لا لأنهم أمروه بذلک، و لکن لقناعته الشخصية التامة بها، و کان بهذه التصرفات المضافة الي تصرفات أمثاله من الجبناء و المهزومين يتيح لهؤلاء الأسياد فرصة التمادي في انحرافهم و ظلمهم الي أقصي حد.

[8] الطبري 326 / 3 و تراجع المصادر السابقة.

[9] المصدر السابق.

[10] الطبري 333 / 3 و تراجع المصادر الأخري.