بازگشت

شمر، القائد الحقيقي لجيش ابن زياد


كان ابن سعد يري طاقة الشر الهائلة في شمر و لعله كان يخافه أشد الخوف و يحذره أشد الحذر، خصوصا بعد أن زوده ابن زياد بصلاحيات خاصة تتيح له قتله نفسه اذا ما تردد أو تخاذل أو جبن، و بدا مبعوث ابن زياد هو القائد الحقيقي للجيش بنظر القائد الذي لم يكن يملك حرية التصرف الا بمشاورته و استحصال موافقته.

فعندما نادي ابن سعد الجند للركوب و الحرب و زحف نحو الامام عليه السلام بعد صلاة العصر من يوم التاسع، استجابة للأوامر المفاجئة من ابن زياد و التي حملها شمر اليه، بعث الامام أخاه العباس ليردهم عنه تلك العشية حتي يأمر بأمره و يوصي أهله، (فلما أتاهم العباس بن علي بذلك، قال عمر بن سعد: ما تري يا شمر؟

قال: ما تري أنت فقال: أنت الأمير و الرأي رأيك، قال: قد أردت الا أكون) [1] .

و لعل شمرا لو أمر ابن سعد بالهجوم في تلك اللحظة لفعل الا أن جوابه ربما كان قد جعله يشر بالحياء من بقية قادة جيشه الذين وجه اليهم السؤال نفسه، و قد اشاروا عليه بتأجيل القتال، و قد فعل و أرسل مبعوثه يبلغ الامام عليه السلام بذلك.

كان شمر علي ميسرة ابن سعد الذي تناسي أمره السابق يجعله علي الرجاله، و لم يشأ شمر ان يكون (كالمقاتلين) الآخرين، بل أراد أن يظهر (لمساته و مبادراته) الشخصية في التصدي لآل البيت، لعل حماسه الاستئصال الذي يحاول به تصعيد حماس الجيش ضد الحسين و أصحابه يصل صداه الي سماع سادته في الكوفة و الشام، فتحسن حاله عندهم و يكون من مقربيهم و حاشيتهم.

فعندما أمر الحسين عليه السلام باضرام النار في الخطب و القصب وراء معسكره لئلا يباغت من الخلف، أقبل شمر يركض علي فرس كامل الاداة، فلم يكلم أصحاب الحسين حتي مر علي الابيات، فنظر الي الأبيات (فاذا هو لا يري لا حطبا تلتهب النار فيه، فكر راجعا، فنادي بأعلي صوته: يا حسين، استعجلت النار في الدنيا قبل يوم


القيامة، فقال الحسين: من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن، فقالوا: نعم، قال: يابن راعية المغزي، أنت أولي بها صليا.

فقال له مسلم بن عوسجه: يا ابن رسول الله، جعلت فداك، الا أرميه بسهم، فانه أمكنني، و ليس يسقط مني سهم، فالفاسق من أعظم الجبارين.

فقال له الحسين: لا ترمه، فاني أكره أبدأهم) [2] .

أتري أن أوامر صريحة صدرت الي شمر من ابن زياد أو ابن سعد، ليكون أول من يأتي صوب معسكر الحسين عليهم السلام و يخاطبه بذلك الأسلوب الفظ الذي عرف به..؟ أم أنها مبادرة شخصية منه يحاول فيها اشعار الناس بانحيازه التام لدولة الظلم و رموزها الفاسده؟

و لعل شمر كان يحسب نفسه بهذا القول الذي وجهه للامام وجهه للامام عليه السلام تحد بغل منتهي الظرف و غاية البلاغة، و هو يحتمل أنه كان يوجه كلامه الي أناس مكسورين مغلوبين، و لعله كان يزيد اقناع نفسه و أصحابه أنهم كانوا علي حق ما داموا في طلعة أميرهم، و ان الحسين و أصحابه علي باطل ما داموا قد رفضوا هذه الدولة الظالمة و الاستجابة لسلطانها.

و قد ظل شمر سائرا بمحاولاته الشيطانية في التصدي للحسين و أصحابه في كل المواقف محاولا محو الآثار التي تتركها خطبهم و تحدثها في نفوس أفراد الجيش المعادي.

فبعد خطبة بليغة للامام عليه السلام فيهم (حمد الله و أثني عليه، و ذكر الله بما هو أهله و صلي علي محمد صلي الله عليه و آله و علي ملائكته و انبيائه، فذكر من ذلك ما الله أعلم و ما لا يحصي ذكره) [3] ، ثم عرفهم بنفسه و مركزه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و قوله صلي الله عليه وآله وسلم فيه و في أخيه «هذان سيدا شباب أهل الجنه» و طلب منهم سؤال بعض الصحابة المعروفين عنه ان كانوا في شك من أمره بفعل الاعلام الأموي المضلل، و تساءل بعد ذلك (أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟) [4] .


و كان من المحتمل أن تغير هذه الخطبة مجري الأمور، و قد ينحاز اليه العديدون من أفراد الجيش - كما فعل بعضهم فعلا أمثال الحر و جماعة معه - لولا مقاطعة شمر له اذ قال كالمستهزي ء: (هو يعبدالله علي حرف ان كان يدري ما يقول) [5] يريد بذلك تكذيب الامام عليه السلام و منع الآخرين من الاستجابة لخطابه.


پاورقي

[1] المصدر السابق.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق.