بازگشت

التحريض علي الجريمة


و ربما حسب ابن سعد أن المسألة كانت قابلة للمساومة و ان الحسين عليه السلام قد يتنازل عن موقفه أو ان ابن زياد رمبا يقبل بعودته اذا ما طلب ذلك، و ذلك ما أشرنا اليه في غضون هذه الدراسة، و أشرنا فيه الي التلفيق الواضح الذي ذكره ابن سعد حول طلب الامام عليه السلام العودة من حيث أتي أو الذهاب الي أحد الثغور أو الذهاب الي يزيد لكي يضع يده في يده، و هو ما أثبت الوقائع بطلانه و زيفه.

و قد زعم ان ابن سعد كتب حوله هذه المطالب المزعومة الي ابن زياد ظانا أن الأمر قد حسم بها و (ان الله قد أطفأ النائرة، و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمة) [1] علي حد تعبيره، و قد قيل ان ابن زياد قد قبل بهذه العروض المدعاة و قال:

(هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق علي قومه، و أراد أن يجيب ابن سعد بالقبول، فقام اليه شمر بن ذي الجوشن و قال: أتقبل هذا منه و قد نزل بارضك و الي جنبك؟ و الله لئن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولي بالقوة و العزة، و لتكونن أولي بالضعف و العجز، فلا تعطه هذه المنزله فانها من الوهن، و لكن لينزل علي حكمك هو و أصحابه، فان عاقبت و انت ولي العقوبة، و ان غفرت كان ذلك


لك، و الله لقد بلغني أن حسينا و عمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل.

فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت! الرأي رأيك) [2] .

لقد عرف شمر هوي سيده، فأشار عليه بما يهوي، و علم ابن زياد بحرص خادمه علي متابعة كل ما يجري علي الساحة، و الا فهل كان يغيب عن عين ابن زياد ما كان يبدو لمشر و يراه؟ و هل لم يبلغه ما بلغ هذا الخادم المطيع من أمر الحسين عليه السلام و ابن سعد و اجتماعهما؟ و لعل ذلك عزز من مكانته لديه، و جعله يفكر باسناد مهام أكثر خطورة له.

حاول شمر دغدغة غرور ابن زياد، واضفي علي كل ما يمكن أن يقوم به ثوبا من الشرعية المزيفة، سواء أقدم علي القتل أو لم يقدم، و بذلك جعله يطمئن الي صحة تصرفاته و يقدم علي ارتكاب جريمته دون تردد، و من المؤكد أن آخرين وقفوا نفس موقف شمر، الا أنهم ربما لم يكونوا بمستوي حماسه و اندفاعه.

و من الواضح ان شمر نجح في التقرب من ابن زياد بما أبداه من حماس و متابعه دقيقة و مراقبة شاملة للموقف، و بما عرفه من ميول و استعدادات للشر و الجريمة عند سيده، تقاربت مع ميوله و استعداداته، حتي لكأن الحسين عليه السلام استهدف دولته و سلطانه هو، لا دولة آل أميه التي لم يكن فيها في العير و لا في النفير.


پاورقي

[1] و أغلب الظن أن ابن ‏سعد أراد أن يعرض هذه الخيارات علي الامام الحسين عليه‏ السلام ظانا أنه لابد أن يقبل بأي خيار يوافق هوي ابن ‏زياد منها... و قد سارع استنادا لما ظنه ذاک الي کتابة الرسالة المزعومة الي ابن ‏زياد.. هذا اذا لم يکن أمر الرسالة قد لفق بعد ذلک لالقاء تبعة الجريمة علي ابن ‏زياد وحده و هو الأمر الذي تحدثنا عنه باسهاب و تفصيل في غضون هذه الدراسة.

[2] الطبري 313 / 3 وابن الاثير 414 / 3 و الارشاد - 212 و الايقاد ص 56 و انساب الاشراف 183 / 3 و بحارالأنوار ج 44 ص 390 - 389 و نهاية الأرب ج 2 ص 431 و مناقب ابن شهر آشوب 97 - 4.