بازگشت

الكلب الابقع


الذي يلغ في دماء أهل البيت

شخصية شمر من الشخصيات التي تتكرر و تلوح أمامنا دائما كصورة بشعة تجسد الجريمة و الشر، و اذا ما ارتبط شمر بابن زياد في وقت احتاج فيه هذا الاخير الي تحشيد لا كل طاقات الشرور لتنفيذ جريمته، فان شعوره بحاجة سيده اليه و رغبته فيه، جعله يتفوق في ادائه و في شكل الانحياز المطلق و في تصعيد و تائر الشر في نفسه لتكون طاقة مرعبه تخيف حتي قائده - بالاسم - عمر بن سعد، و تسعر نار الجريمة في نفس من كان مستعدا لها من جند ابن زياد.

و يبدو أن شعور الامتنان و الاندفاع التام لتنفيذ مخطط الجريمة، هو ما كان يراه واجبا عليه كرد علي الاختيار السامي لسيده و ملاحظته اياه و ترشيحه قائدا بديلا عن ابن سعد اذا ما خطر لهذا أن يتخلي عن مهمته أو يتهاون فيها. و لعل ولاية الري الغنية بدت له هو الآخر قريبة المنال، أو لعل ولايات أخري بدت أمام أنظاره، و مفتاحها الاقدام دون تردد علي تنفيذ الجريمة.

و قد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و لعله ما قال ذلك الا عنه «كأني انظر الي كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي) [1] ، فقد كان شمر مصابا بالبرص، و كانت جرأته المروعة علي الحسين عليه السلام، بداية لجرأة مستديمة علي آل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم و أتباعهم من المسلمين الحقيقيين.

لقد ناصبهم شمر العداء. أما لماذا! هل لسبب شخصي؟ أم لأمر اعتقده أو رأي، انحاز فيه الي جانب و اتخذ موقفا يدافع عنه حتي النفس الاخير؟ أم أنه كان أمر تحزب و تحيز للاسياد - الذين رأي فيهم شمر اندفاعا مستميتا للحفاظ علي مصالحهم فاندفع مثلهم و استمات؟.


و لو أننا تمعنا بحوادث تلك الفترة من التاريخ، لما رأينا أنه كان محسوبا من العلماء أو القادة أو الزعماء المرموقين، و لعله لم يكن الا أحد الذين بدلوا ولاءهم و آثروا خط معاوية المنحرف علي خط الاسلام، و قد رويت لنا حادثة وقعت في صفين، حاول فيها الانتقام لنفسه من عدو ضربه علي وجهه بالسيف [2] ، و منها نعلم أنه ممن يحملون روحا انتقامية عنيفة و لعل تطرفه بهذا المجال يكشل حالة مرضية قد يكون فيها مفتاح التعرف علي شخصيته و اكتشاف سبب اندفاعها في طريق الشر المدمر، و قد يكون السر الاخر وراء تلك الشخصية اصابته بمرض منفر يجعل المجتمع لا يخالط من يحمله المصاب و يتجنبه، كما يتجنب الطاعون، و هو البرص الذي أصيب به، و لعل سبب اندفاعه يعود الي تغيير موقفه و محاولة اثبات أنه تغير عن قناعة اراد البرهنة عليها بالاندفاع اللا محدودة بخدمة من حسب ان له الغلبة و الظفر، و هو أمر يحدث لمن يغيرون مواقفهم و خصوصا الي صف الظلم ليثبوا لأسيادهم الظالمين أنهم تغيروا بعد قناعات و تدبر، و أنهم اذ ينحاوزن اليهم انما ينحازون الي جانب الحق، و يحاولون ان يثبتوا ولاءهم الجديد بممارسات و خدمات استثنائية يحاولون بها لفت الانظار اليهم. [3] .


و لم يبرز شمر الا عند قدوم ابن زياد الكوفة اثر قدوم مسلم بن عقيل، و قد حاول التقرب اليه باعلان موالاته المطلقه للصف الأموي و كرهه للحسين و آل البيت عليهم السلام. و ربما حسب ان فرصته قد حانت أخيرا لكي ينال حصة مما يغدقه أسياده الامويون دون حساب علي خدمهم و أعوانهم و مواليهم، و يبدو أنه لم يكن من خطورة الشأن بحيث يتطلع الي القرب من العرش حاشية ليزيد أو وجها مقربا منها، و لعل لمرضه المنفر - اصابته بالبرص - أثره في شعوره أنه لن يساغ في المجالس الخاصه لاقطاب الحكم التي غالبا ما يسودها جو الترف و الابتهاج و الطرب و الاقبال علي الشراب و اللذات، و لم يكن يطمع بأكثر مما يطمع به الكلب الذي يرمي اليه سيده باللقمة من بعيد فيرمي نفسه عليها فرحا مسرورا، و حسبه أن سيده لم ينسه لأنه له ساعة قد يحتاجه فيها لحراسته و الدفاع عنه و اقتناص فرائسه و طرائده.

و ربما لم يستطع أن يحقق طموحه برؤية يزيد و القرب منه و الحصول علي ابتسامة رضا، الا عندما طار اليه فرحا مع محفز بن ثعلبه و جماعة من أتباعه حاملين رأس الحسين و رؤوس أصحابه عليهم السلام (.. ثم دخلوا علي يزيد فوضعوا الرأس بين يديه و حدثوه..) [4] ، بعد ما كان قد طار فرحا الي ابن زياد بعيد واقعة الطف مع جماعة من رفاقه الاذلاء حاملين اليه الرؤوس الشريفة.


پاورقي

[1] کنز العمال - رواه ابن عساکر ص 128.

[2] (خرج ادهم بن محرز الباهلي من أصحاب معاوية الي شمر بن ذي الجوشن.. فاختلفا ضربتين، فضربه ادهم علي جبينه فأسرع فيه السيف حتي خالط العظم، و ضربه شمر فلم يصنع شيئا، فرجع الي عسکره فشرب ماء و أخد رمحا، ثم أقبل و هو يقول:



اني زعيم لأخي باهلة

بطعنة ان لم أصب عاجله‏



او ضربة تحت القنا و الوغي

شبيهة بالقتل او قاتله‏



ثم حمل علي أدهم و هو يعرف وجهه، و أدهم ثابت له لم ينصرف فطعنه فوقع عن فرسه، و حال أصحابه دونه فانصرف شمر و قال: هذه بتلک).

[3] و قد حاول شمر التقرب من زياد عندما طلب هذا شهودا ضد حجر بن عدي، و قد تطوع مع مجموعة کبيرة لهذه الشهادة الکاذبة... و کان ضمن الشهود مجموعة ممن شارکوا بالمجزرة الوحشية في کربلاء مثل عمر بن سعد و کثير بن شهاب و شبث بن ربعي و القعقاع بن شور و حجار بن أبجر و عمرو بن الحجاج و مخفر بن ثعلبة و زحر بن قيس و غيرهم... و قد شهدوا (ان حجر بن عدي خلع الطاعة و فارق الجماعة و لعن الخليفة و دعا الي الحرب و الفتنة، و جمع اليه المجموع يدعوهم الي نکث البيعة و خلع أميرالمؤمنين معاوية، و کفر بالله عزوجل کفرة صلعاء) الطبري 226 / 3.

[4] ابن الاثير 437 / 3 و الطبري 340 / 3.