بازگشت

كان خاملا، و عاد خاملا


عاد ابن سعد خاملا - كما كان - و لعله كان يقضي أيامه متنعما في قصر أبيه في الكوفة بما (أغدقته) عليه الدولة من أعطيات لعلها لم تكن أكثر من الاعطيات التي أغدقت علي أي شريف آخر لم يشارك بنفس حماسه و فاعليته في جريمة الطف. لم تستمر أيامه الهادئة لأكثر من الايام التي عاشها يزيد الذي توفي عام 64 للهجرة (يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، و كانت خلافته ثلاث سنين و ثمانية أشهر الا ثمال ليال، و كان بين قتل الحسين و هلاك يزيد بن معاوية ثلاث سنين و شهران و أربعة أيام) [1] .

و بعد تلك السنين ثلاث بدا أن العرش الأموي كان معرضا للانهيار بعد وفاة يزيد، و بدت الرياح أحيانا كأنها الي جانب ابن الزبير، و طرد ابن زياد من البصرة و وكيله عمرو بن حريث من الكوفة (و اجتمع الناس في المسجد فقالوا: نؤمر رجلا الي أن يجتمع الناس علي خليفة، فأجمعوا علي عمر بن سعد، فجاءت نساء همدان يبكين حسينا، و رجالهم متقلدو السيوف، فاطافوا بالمنبر. فقال محمد بن الاشعث: جاء أمر غير ما كنا فيه. و كانت كنده تقوم بامر عمر بن سعد لأنهم أخواله، فاجتمعوا علي عامر بن مسعود، و كتبوا بذلك الي ابن الزبير، فأقره) [2] و [3] .


و بعد أن حسب ابن سعد ان فرصة ذهبية قد اتيحت له، عند ما طرد وكيل ابن زياد من الكوفة، و فكر أخواله الكنديون بتنصيبه أميرا علي الكوفه. طارت تلك الفرصة علي الفور بموقف نساء همدان و رجالها الذين لم ينسوا موقفه في كربلاء، و كانت واقعة الطف تتراءي لهم في اللحظة التي فكر بعض أبطال تلك الواقعة بتولي السمؤولية في الكوفة، و بدا رد الفعل ممن ساهموا بالجريمة سريعا و حاسما، بكت فيه النساء علانية علي الحسين، و تقلدت فيه الرجال سيوفها لمنع قتله من التسلط علي رقابها.

و بدت الأمور بنظر ابن سعد و كأنها تنذر بعاصفة مرتقبة بعد ظهور أمر التوابين و المختار. (و كان عمر بن سعد تلك الايام التي كان سليمان[زعيم التوابين] معسكرا فيها بالنخيله لا يبيت الا في قصر الاماره مع عبيدالله بن يزيد [والي الكوفه] مخافة أن يأتيه القوم في داره، و يدمروا عليه في بيته و هو غافل لا يعلم فيقتل) [4] ، فأيام الهدوء و الطمأنينة بدت و كأنها ولت الي الأبد بعد الغليان الشعبي في الكوفه، و جاءت أيام الرعب و تسديد الحساب. خصوصا و ان المختار بدا جادا بمتابعة قتلة الحسين عليه السلام و استئصالهم بعد سيطرته علي الكوفة.


پاورقي

[1] الطبري 394 - 375 - 362 - 3.

[2] المصدر السابق.

[3] و قد أورد المسعودي في (مروج الذهب) 102 - 3 انه بعد وفاة يزيد (خلع أهل الکوفة ولاية بني‏أمية و امارة ابن ‏زياد، و أرادوا أن ينصبوا لهم أميرا الي أن ينظروا في أمرهم، فقال جماعة، عمر بن سعد بن أبي وقاص يصلح لها، فلما هموا بتأميره، أقبلت نساء من همدان و غير هن من نساء کهلان و الانصار و ربيعة و النخع، حتي دخلن المسجد الجامع صارخات باکيات معولات يند بن الحسين و يقلن: أما رضي عمر بن سعد بقتل الحسين حتي أراد أن يکون أميرا علي الکوفة؟ فبکي الناس و أعرضوا عن عمر).

[4] المصدر السابق 464 - 410 / 3.