بازگشت

استسلام مهين


أم حقد دفين و مرة أخري أثبت ابن سعد ضعفه و استسلامه المهين لابن زياد اذ انتدب عشرة من فرسان جيشه (فاتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتي رضوا ظهره و صدره) [1] حسب أوامر ابن زياد اليه قبيل بدء المعركة.

و كان ابن زياد قد كتب له: (فان قتل حسين فأوطي ء الخيل صدره و ظهره، فانه عاق مشاق قاطع ظلوم، و ليت دهري في هذا أن يضر بعد الموت شيئا، و لكن علي قول لو قد قتلته فعلت هذا به. ان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع) [2] .

كانت رسالة ابن زياد تدل علي حقده و عداوته للحسين عليه السلام كان بنظره الشخص الذي يسعي لسلب سلطانهم و مكاسبهم و دولتهم، و كان المعركة معه - بنظره - معركة وجود، و لعله لو استطاع - سيعمد الي قتله شخصيا و التمثيل بجثته بل و الولوغ بدمه. غير أنه فضل البقاء قريبا من الكوفة، في معسكره بالنخيلة، خوفا من ثورة محتملة و لغرض تحشيد المزيد من المقاتلين يدفع في ظهورهم لانجاز المهمة الخطيرة للدولة، مهمة القضاء علي الحسين عليه السلام و أصحابه.

و هكذا عهده لقائده الخائف الطامع القيام بتنفيذ أمنيته مع أنه كان يعلم أنها أمنية سخيفة: (ليت دهري في هذا ان يضر بعد الموت شيئا). غير أنه ربما اراد بذلك أن


يساهم بلمسة شخصية خاصة يثبت فيها انحيازه لسيده يزيد و استبساله من أجله، فهو كمن يريد أن يقول له في النهاية: لقد قتلت الحسين كما أمرتني، غير أن حقدي عليه جعلني أصدر أو امري لقاتله بان يمثل بجثته، و ما حقدي عليه الا بسبب ولائي و شغفي بك.

و قد تبدو حقارة تلك الامنية امام الامة فيما بعد، و قد تنزعج لذلك كثيرا. حتي يصل صوتها الي يزيد، و قد وصل ذلك الصوت فعلا، و ربما أبدي يزيد انزعاجه الظاهري من أمنية ابن زياد، و رأي أنها أمر زائد لا ضرورة له ما دام قد قتل الحسين عليه السلام، و قد يستطيع ابن سعد أن لا يستجيب لنزوة ابن زياد أيضا و يقول له: لقد نفذت أوامرك و قتلت الحسين، و هذا هو الامر المهم، أما الراغبات الخاصة، غير المهمة، و كما تقول أنت، فلست ملزما بتنفيذها.

لو أن ابن سعد كان قد خرج ثأرا للاسلام و حرصا علي وحدة المسلمين لقال ما كان ينبغي ان يقوله هنا و لما استجاب لرغبة ابن زياد في التمثل بجثث الحسين و أصحابه عليهم السلام، غير أنه و قد تنازعه عاملا الخوف و الطمع و أخذا بزمامه، فانه لم يملك الا أن يستجيب استجابه ذليلة لتلك الرغبة الحقودة من ابن زياد.

و مع ذلك فانه كان من الصفاقه و عدم الحياء و انعدام الحس ان اعتبر معركته مع الحسين و أصحابه عليهم السلام فتحا، كان هو المنتصر فيه في النهاية، و قد أرسل حميد بن مسلم الي أهله (ليبشرهم بفتح الله عليه و بعاقبته) لعله كان - رغم عدد جيشه الهائل - خائفا حقا من أن تدور الدائرة عليه و يقتل في تلك المعركة و عندها ستكون تلك خسارة ما بعدها خسارة، و سيفقد كل شي ء و خصوصا ملك الري الذي (ناضل من أجله كل ذلك النضال) و تنازل كل ذل التنازل و بلغ به الأمر تنفيذ أتفه امنيات سيده الشرير. أما و قد (نجح) في مهمته و قتل الحسين عليه السلام فانه امنياته باتت و شيكة التحقيق و بدا كأنه قاب قوسين أو أدني من امارة الري، و هل هناك (نصر) كهذا النصر الذي يجعله قريبا من امارة الري؟.


پاورقي

[1] الطبري: 313 - 235 / 3.

[2] المصدر السابق.