بازگشت

القائد المتخاذل...


بكاء أم دموع التماسيح كان قائد جيش ابن زياد متخاذلا حتي أمام جنده، و لم يستطع ردعهم عن ممارساتهم الاجرامية بحق الامام عليه السلام و ربما كانت صورة سيده المخيفة تتراءي له علي الدوام.


ففي الجولة الاخيرة للامام عليه السلام مع أعدائه، عندما كانوا يحيطون به، و كان يشد عليهم وحيدا و يفرقهم، قيل أن السيدة زينب خرجت من خيمتها و واجهت ابن سعد بكلمات مؤنبة قائلة:(يا عمر بن سعد، أيقتل أبو عبدالله و أنت تنظر اليه) [1] .

و لا شك أن هذه الكلمات لو وجهت الي قائد آخر يعتز بدينه أو عروبته أو نسبه لكان قد اتخذ موقفا آخر من ذلك الذي ادعي القرابة منه، غير أن ابن سعد لم يملك الا أن يبكي بكاء صامتا و تسيل (دموعه علي خديه و لحيته، و صرف بوجهه عنها) [2] .

كيف يفسر بكاء ابن سعد هذا و دموع التماسيح التي ذرفها امام المجموعة التي اقدمت علي قتل الحسين عليه السلام بقيادة شمر، هل كانت دموعه ايذانا لهم بقتل الامام عليه السلام و التشديد علي حصاره و الاجهاز عليه.

انه بذلك يقول: أنا لست قادرا علي دفع الشر عن الامام عليه السلام و منع عصابة الشر من قتله، و لا أملك الا أن أبكي مثل النساء، و لعله حسب انه بتلك الدموع و بمحاولاته الواهنة لمنع الحرب أو تسليم قيادة الجيش المحارب لشخص آخر، قد برأ ذمته و أصبح في حل من فعل أي شي ء، حتي و ان تجاوز قتل الامام، الي التمثيل بجثته و جثث أصحابه.

كان يستطيع أمام طلب ابن زياد التمثيل بالجثث، ان يمتنع عن تلبية ذلك الطلب، و ان يقول: لقد نفذت ارادة الدولة و قتلت الحسين، و هو هدف كبير حققته لها، أما التمثيل بالجثث فهو رغبة شخصية غير ملحة و لا ضرورية أو ملزمة، و لن يكون عليه - علي الأغلب - ضير، ان هو امتنع عن تلبيتها، غير أنه رغم ذلك لم يجد في نفسه القدرة علي الامتناع عن تلبية أدني رغبات ابن زياد و أشدها وحشية و عنفا.

انه لم يستطع حتي ردع جنده عن نهب متاع الامام عليه السلام، قال لهم: (الا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد، و لا يعرضن لهذا الغلام المريض، و من أخذ من متاعهم شيئا، فليرده عليهم.


فو الله ما رد أحد شيئا) [3] .

كانوا يطيعونه اذا ما كانت أوامرة، منسجمة مع روح الشر التي عرف بها أميره، أما اذا ما خطر له تحت أي دافع أن يصدر أمرا يتسم بقدر من الرحمة أو الانسانية، فانهم يعصونه و لا يحسبون له حسابا.


پاورقي

[1] المصدر السابق.

[2] المصدر السابق.

[3] الطبري 335 / 3 و راجع المصادر الأخري السابقة و يبدو من مجمل کتب التاريخ أن الذين شارکوا بقتل الحسين عليه‏ السلام و جرحه و ذبحه جماعة کان في مقدمتهم شمر، الذي تولي بنفسه المساهمة بهذه المهمة رغم أنه کان يمکن أن يکتفي باصدار الاوامر و نشير الي ذلک في حينه بعون الله.